سَلَمَةَ يُماري ابنَ عبَّاسٍ؛ فحُرِمَ بذلك علمًا كثيرًا" (١).
وكان أبو سلمةَ يقولُ بعدَ ذلك: "لو رَفَقْتُ بابنِ عبَّاسٍ، لاستخرَجْتُ منه علمًا كثيرًا" (٢).
ومنها: السؤالُ عمَّا لا يَنفَعُ المرءَ ولا يَغنِيهِ؛ كالسؤالِ عمَّا لا يحتاجُ إليه في عملٍ ولا تبليغٍ، أو السؤالِ عن أسرارِ الناسِ وما يُخبِّئونَ؛ فضلًا عن تتبُّعِ عيوبِهم وعَوْراتِهم، ويُروى في الخَبَرِ: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ: تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ) (٣).
وقولُهُ تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (١٠٢)} المائدة: ١٠٢؛ يعني: كَفَرُوا؛ لأنَّهم لم يُريدُوا الخيرَ والاسترشادَ، فحُرِمُوا التوفيقَ إلى العملِ؛ لأنَّهم سأَلوا تكلُّفًا وتعنُّتًا.
وكذلك في العِلْمِ؛ فمَنْ تكلَّفَ في السؤالِ وتعنَّتَ ولم يُرِدِ استرشادًا، حُرِمَ برَكةَ العِلْم، ولم يُوفَّقْ إلى العمل، ولم يَنتَفِعْ بسؤالِهِ في نفسِه، ولا في غيرِهِ.
بَرَكةُ العِلْمِ بالعملِ والبلاغِ:
وللعِلْمِ بَرَكةٌ لا يَنالُها إلَّا مَن أخَذَهُ ليعمَلَ به أو يُبلِّغَهُ، وقد كان في بني إسرائيلَ مَن يَسألُ النبيَّ تعنُّتًا وعنادًا ومغالَطةً، فلمَّا أُجِيبَ عن سؤالِه، لم يَعْمَلْ بما عَلِمَ، بل تولَّى وكفَرَ، ومَن كَثُرَ عِلمُهُ وقلَّ عملُهُ، فلسُوءِ نيَّتِهِ وقصدِه.
وفي هذه الآيةِ: إشارةٌ إلى ما يَسُوغُ السؤالُ عنه، وهو ما يَقتضي
(١) "جامع بيان العلم وفضله" (١/ ٥١٨).
(٢) "جامع بيان العلم وفضله" (١/ ٥٢٠)، و"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (١/ ٢٠٩).
(٣) أخرجه الترمذي (٢٣١٧) (٤/ ٥٥٨)، وابن ماجه (٣٩٧٦) (٢/ ١٣١٥).