وسعيدُ بن جُبيرٍ ومجاهدٌ وغيرُهم (١).
وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُ بالصدقةِ عندَ الصِّرَامِ والحَصادِ للفُقَراءِ والمُحتاجِين؛ كما روى أحمدُ، وأبو داودَ، عن جابرٍ بنِ عبد اللهِ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ مِنْ كُلِّ جَادِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْر، بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِي المَسْجِدِ لِلْمَسَاكِينِ (٢).
وكان ابنُ عمرَ يقولُ: "كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاةِ" (٣).
ومَن فسَّرَها بالإطعامِ جعَلَ الآيةَ منسوخةً بالعُشْرِ ونِصْفِ العُشْر، ويَبقى الإطعامُ سُنَّةً لا واجبًا كسائرِ الإطعام، وبنسخِ وجوبِ الإطعامِ قال عامَّةُ السلفِ؛ كابنِ المسيَّبِ وعِكْرِمةَ والنخَعيِّ والحسنِ؛ قال عِكْرِمةُ: "نسَخَتِ الزكاةُ كلَّ صدقةٍ في القرآنِ" (٤).
ومُرادُ عِكْرِمةَ كلُّ صدقةٍ واجبةٍ.
والأظهَرُ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يأمُرُ بالإطعامِ عندَ الحَصَادِ والصَّرَامِ بلا تقديرٍ محدَّدٍ، ثم أمَرَ به بتقديرٍ، وهو الزكاةُ، وذلك في ثاني سَنَةٍ مِن الهجرة، وقال بالنسخِ بعضُ السلفِ؛ حتى لا يُظَنَّ أنَّ ثمَّةَ شيئًا واجبًا فوقَ الزكاةِ في ثمارِهم وزرعِهم.
الزكاةُ عند الحصادِ:
وزكاةُ الثِّمَارِ والحبوبِ تكونُ عندَ حَصَادِها وصِرَامِها؛ وهذا هو حَوْلُها، ولا يُنتظَرُ حتى يَدُورَ عليها الحَوْلُ، ومَن زرَعَ في العامِ ثمرًا أكثَرَ مِن مرَّةٍ، فإنَّه يُعطي زكاتَهُ عندَ كلِّ حصادٍ وصِرامٍ ولو في العامِ مرَّاتٍ؛ لأنَّ اللهَ قيَّدَ ذلك بيومِ الحطاد، وهو حولُ الثِّمارِ.
(١) "تفسير الطبري" (٩/ ٦٠٠ - ٦٠٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٣٩٨).
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٣٥٩)، وأبو داود (١٦٦٢).
(٣) "تفسير ابن كثير" (٣/ ٣٤٨).
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٣٩٨).