صحيفةَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التي عليها خاتَمُهُ، فلْيَقْرَأْ هؤلاءِ الآياتِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}، إلى قولِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام: ١٥٣ (١).
وذلك أنَّ هذه الآياتِ ممَّا نزَلَ في المدينة، وجُلُّ سورةِ الأنعامِ نزَلَ بمكَّةَ، وحَكَى ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على أنَّ الأنعامَ مكِّيَّةٌ إلَّا آياتِ الوَصَايَا الثلاثَ (٢).
وقد روى أبو عُبَيْدٍ والطبرانيُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّها نزَلَتْ على رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بمكَّةَ جُمْلةً واحدةً (٣).
وقد تقدَّمَ في آيةٍ سابقةٍ مِن الأنعامِ الكلامُ على وَأْدِ البنتِ وقتلِ الولدِ.
والإملاقُ هو الفقرُ، وفي قولِهِ تعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} أراد أنَّ الذي رزَقَ الآباءَ مِن قبلُ هو الذي يتكفَّلُ برِزْقِ الأبناءِ مِن بعدُ، فالربُّ واحدٌ؛ فقد كان يَخشى الجَدُّ على ولدِه، فرزَقَ الجَدَّ وولدَهُ، ثم خاف الأبُ على وَلَدِه، فرزَقَ الأبَ ووَلَدَه، وهكذا فرَبُّ الأجيالِ واحدٌ.
بركةُ الأولاد والآباء بعضهم على بعض:
وفي قولِه في هذه السورةِ: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، مع قولِهِ في الإسراءِ: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} ٣١ إشارةٌ إلى أنَّ اللهَ يرزقُ الوالدَ بالولد، ويرزُقُ الولدَ بالوالد، رحمةً من الله فيهما متبادَلةً، ومِن ذلك ما في سورةِ الكهفِ في مالِ اليتيمَيْنِ؛ قال: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا
(١) "تفسير ابن كثير" (٣/ ٣٥٩).
(٢) "التمهيد" (١/ ١٤٦).
(٣) أخرجه الطبراني في "الكبير" (١٢٩٣٠)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص ٢٤٠)، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص ٤١٥).