الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة: ٢٧١، وعن عُقْبةَ بنِ عامرٍ - رضي الله عنه -؛ قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الجَاهِرُ بِالقُرْآنِ كَالجَاهِرِ بِالصَّدَقَة، وَالمُسِرُّ بِالقُرْآنِ كَالمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ) (١)، قال الترمذيُّ: "ومعنى هذا الحديثِ: أن الذي يُسِرُّ بقراءةِ القرآنِ أفضَلُ مِن الذي يَجهَرُ بقراءةِ القرآنِ؛ لأنَّ صدقةَ السِّرِّ أفضَلُّ عندَ أهلِ العِلمِ مِن صدقةِ العلانيَةِ".
ولا يَلزمُ مِن عملِ العلانيَةِ أن يَجهَرَ صاحبُهُ بفعلِهِ أمامَ الناس، بل قد يَقوَى العبدُ على فعلِ العبادةِ سرًّا وَيؤُزُّه الشيطانُ على ذِكرِها للناسِ علانيَةً، فتكونُ في حقيقتِها كأنما فعَلَها علانيَةً؛ قال سفيانُ الثوريُّ: "إنَّ العبدَ لَيَعمَل العملَ في السِّرّ، فلا يَزَالُ به الشيطانُ حتى يتحدَّثَ به، فيَنتقِلَ مِن ديوانِ السِّرِّ إلى ديوانِ العلانيَةِ" (٢).
الاعتداءُ في الدعاء، وصوَرُهُ:
وقولُ اللهِ تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}؛ يعني: في العبادة، وخاصَّة الدعاءَ، والمراد بالاعتداءِ هو الخروجُ عن مقصودِ اللهِ مِن شريعةِ الدعاء، ويختلِفُ مقدارُ خروجِ الناسِ عن تلك الشريعة، وصُوَر الاعتداءِ في دعاءِ اللهِ كثيرةٌ:
منها: أن يَدْعُوَ اللهَ بحرامٍ؛ كمَن يدعو بتيسيرِ الكفرِ والرِّبى والزِّنى، وقطعِ الأرحامِ، فذلك أعظَمُ الاعتداءِ؛ لأنَّ اللهَ شرَعَ الدُّعاءَ عبادةً وتذلُّلًا له لِيُطاعَ؛ فكيف يُدعَى بما شرَع ليُعصَى؟ !
ومنها: دعاءُ اللهِ وسؤالهُ بعيرِ ما سمَّى به نفسَهُ، وهذا يُخالِفُ الأدبَ مع الله، وهو مِن الكذبِ في الخِطابِ.
(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٥١)، وأبو داود (١٣٣٣)، والترمذي (٢٩١٩)، والنسائي (٢٥٦١).
(٢) "تلبيس إبليس" (ص ١٢٩).