القولُ الأولُ: قالوا: إنَّه رُكْنٌ، وعدمُ صحةِ الحجِّ والعمرةِ إلا بالسعيِ؛ وهو ظاهرُ قولِ عائشةَ، وقولُ جمهورِ الفقهاءِ مِن المالكيَّةِ والشافعيَّةِ والحنابلةِ، وهو قولُ الشافعيِّ وابنِ جريرٍ (١).
واحتجُّوا بالآيةِ، وأنَّ كَوْنَها مِن شعائرِ اللهِ عَلَامةٌ علي رُكْنِيَّتِها.
والتحقيقُ: أنَّ كونَ الشيءِ شعيرةً لا يلزَمُ منه كونُهُ رُكْنًا؛ فاللهُ سمَّى البُدْنَ مِن الشعائرِ، ولا يقولُ أحدٌ مِن السلفِ برُكْنِيَّتِها: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الحج: ٣٦ , ولم يكُنِ السلفُ يَجْعَلونَ كلَّ شعيرةٍ مِن شعائرِ اللهِ وُصِفَتْ بذلك ركنًا لا يصحُّ العملُ إلا بها.
روى ابنُ أبي شَيْبةَ، عن داودَ بنِ أبي هِنْدٍ، عن محمَّدِ بنِ أبي موسى؛ قال في قولِه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج: ٣٢، قال: "الوقوفُ بعَرَفةَ مِن شعائرِ اللهِ، وجَمْعٌ مِن شعائرِ اللهِ، والبُدْنُ مِن شعائرِ اللهِ، والحَلْقُ مِن شعائرِ الله، والرميُ مِن شعائرِ اللهِ؛ فَمَنْ يُعظِّمْها، فإنَّها من تَقْوَى القلوبِ" (٢).
وهذه سَمَّوْها كلَّها مِن شعائرِ اللهِ، وتختلفُ حُكمًا بينَ رُكْنٍ وواجبٍ.
وروى مسلمٌ في "صحيحِه"، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ؛ قال: قلتُ لها: إنِّي لَأَظُنُّ رجلًا لو لم يَطُفْ بينَ الصَّفَا والمَرْوةِ ما ضَرَّهُ، قالتْ: لِمَ؟ قلتُ: لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ. . .}، فقالتْ: "ما أَتَمَّ اللهُ حجَّ امرئٍ ولا عُمْرَتَهُ لم يَطُفْ بينَ الصَّفا والمَرْوةِ، ولو كان كما تقولُ، لكان: فلا جُنَاحَ عليه ألَّا يطَّوَّفَ بهما" (٣).
(١) ينظر: "المدونة" (١/ ٤٢٧)، و"الاستذكار" (٤/ ٢٢٠)، و"المجموع" (٨/ ٧٧)، و"المغني" (٣/ ٣٥١)، و"تفسير الطبري" (٢/ ٧١١).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٤١٥٢) (٣/ ٢٧٥).
(٣) أخرجه مسلم (١٢٧٧) (٢/ ٩٢٨).