وفي ثبوتِ تحريقِ فاعلِ فاحشةِ قومِ لوطٍ عن أبي بكرٍ ومَنْ معه نطرٌ، ورُوِيَ التحريقُ له عن ابنِ الزُّبَيْرِ وهشامِ بنِ عبد المَلِكِ؛ وفيه كلامٌ كذلك.
وحمَلَ بعضُ الفُقَهاءِ اختلافَ الصحابةِ والتابعينَ على صفةِ القتلِ على أنه ليس بحَدٍّ، وأنَّ هذا مِن قرائنِ كونِهِمْ يَعُدُّونَهُ تعزيرًا؛ لأنَّ الحدودَ كالقِصاصِ والرَّجْمِ مبيَّنة الصِّفة، ولو كانتْ تتَّفقُ في كونِها إزهاقًا للنفسِ.
القولُ الثاني: قالوا: إنَّ اللِّوَاطَ كالزِّنى؛ يُرجَمُ المُحصَنُ ويُجلَدُ البِكْرُ، وهو أحدُ قولَيِ الشافعيّ، ومال إليه بعضُ أصحابِه، وذكَرَ الربيعُ بن سلَيمانَ: أنَّ الثافعيَّ رجَعَ عن القولِ بالرجمِ إلى أنه زِنّى؛ كما نقَلَهُ البيهقيُّ (١).
وهو روايةٌ عن أحمدَ.
وقد جاء في اعتِبارِ اللُّوطيَّةِ زِنًى خبرٌ مِن حديثِ أبي موسى: (إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَهُمَا زَانِيان، وَإِذَا أَتَتِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَهُمَا زَانِيَتَانِ)؛ رواهُ البيهقيُّ (٢)، ولا يصحُّ.
القولُ الثالثُ: ذهَبوا إلى أنَّه تعزيرٌ ولا حَدَّ فيه لا يُتجاوَزُ، بل بما يراهُ القاضي بما يزجُرُهُ وغيرَه، وإليه ذهَبَ أبو حنيفةَ، وحُجَّتُهُمْ في ذلك اختلافُ السلف، والحدودُ قطعيَّةٌ، وأنَّ هذه الفاحشةَ معروفةٌ في الأُمَمِ السابقة، وبيانُ عقوبتِها لو كانتْ حَدًّا ضرورةٌ لا تكونُ إلَّا بنصٍّ قطعيٍّ كحدٍّ الزِّنى؛ فاللهُ ذكَرَ عقوبتَهُ في القرآن، واللُّواطُ أَولى منه.
وقد جاء عن بعضِ السلفِ الاستدلالُ على تعزيرِ اللُّوطيِّ بقولِهِ
(١) "السنن الكبرى" (٨/ ٢٣٣).
(٢) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٣٣)، و"شعب الإيمان" (٥٠٧٥).