الصلاةَ سجودًا؛ وذلك لأنَّ الشيءَ يُسمَّى بأعظَمِ ما فيه. أو بالعظيمِ به، كما يُسمَّى الإنسانُ رَقَبةً، فيُقالُ: عتَقَ رَقَبةً، ويُقالُ في الحيوانِ والإنسانِ: رَأسٌ لأنَّ الرأسَ أعظَمُ ما فيه.
ومِن العلماءِ: مَن يقولُ بأسبابٍ تُجيزُ السجودَ غيرِ منصوصٍ عليها في الشريعةِ؛ وإنَّما أدخَلُوها مِن بابِ الاجتِهادِ؛ فحمَلَ بعضُ الناسِ قولَهُمْ ذلك على جوازِ التعبُّدِ بالسجودِ بلا سببٍ، وليس كذلك، كما ينقُلُهُ بعضُهم عن ابنِ تيميةَ؛ أنه قال: "ولو أرادَ الإنسانُ الدُّعَاءَ، فعَفَّرَ وجهَهُ للهِ فِيِ التراب، وسجَدَ له لِيَدْعُوَهُ؛ فهذا سجودٌ لأجلِ الدُّعَاء، ولا شيءَ يَمنَعُه" (١).
وابنُ تيميةَ أنَّما جعَلَ سببًا جائزًا للسجود، ولم يَجعَلِ السجودَ بلا سببٍ جائزًا، وفرقٌ بين هاتَيْنِ الحالتَين، وقد نصَّ ابنُ تيميَّةَ على كراهةِ السجودِ بلا سببٍ، كما في "اختياراتِ البعليِّ" (٢).
وكثيرٌ مِن العلماءِ على كراهةِ السجودِ بلا سببٍ، ونصَّ على تحريمِهِ الجُوَينيُّ وأبو حامدٍ الغزاليُّ والنَّوويُّ والعِزُّ بن عبد السلام، وغيرُهم كثيرٌ.
ومِن الفقهاءِ -خاصَّةً أهلَ الرأي المتأخرينَ منهم- من يُجيزُ ذلك، ويتوقَّفُ في مشروعيَّته، والسجودُ عبادةٌ إن لم يكنْ مشروعًا فهو ممنوعٌ.
وظاهرُ سجودِ السَّحَرَةِ: إمَّا سجودُ آيةٍ لِمَا رأَوْا مِن دلائلِ حقِّ اللهِ عليهم، وإمَّا لأجلِ الدُّعاءِ بقَبُولِ التوبةِ وغُفرانِ ذنبِهم، وإمَّا أنْ يكونَ لإثباتِ إيمانِهم بالله، فإنَّ الأفعالَ أَثبَتُ مِن الأقوالِ؛ فأرادُوا أن يُبيِّنُوا
(١) "الفتاوى الكبرى" (٥/ ٣٤٠).
(٢) "الاختيارات الفقهية" لابن تيمية (ص ٩٢).