حكمُ أخذِ السلطانِ مِن بيتِ المالِ وحدودُهُ:
ويأخُذُ الحاكمُ مِن بيتِ المالِ ما يَكفِيهِ ويُغنيهِ عن الاشتغالِ بالتكسُّبِ؛ حتى لا تتعطَّلَ مصالحُ المُسلِمينَ باشتغالِهِ عنهم؛ وبهذا القَدْرِ كان يأخُذُ أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ -عليهم رضوانُ اللهِ- لأنَّ المالَ مِلْكٌ للمُسلِمينَ ومصَالِحِهم، لا مِلْكٌ يخُصُّ السُّلْطانَ.
ولذا قال أبو بكرٍ الصِّدِّيق: "إنِّي ما أصَبْتُ مِن دُنياكُم بشيءٍ، ولقد أقمتُ نفسي في مالِ اللهِ وفَيءِ المُسلِمينَ مُقَامَ الوَصِيُّ في مالِ اليتيمِ؛ إنِ استغنَى تعَّففَ، وإنِ افتقَرَ أكَلَ بالمعروفِ" (١).
ورُوي عن عمرَ بنِ الخطَّابِ قولُهُ: "والله، ما كنتُ أَرَى هذا المالَ يَحِقُّ لي مِن قَبْلِ أن ألِيَهُ إلَّا بحقِّه، وما كان قطُّ أَحْرَمَ عليّ منه إذْ وَلِيتُهُ، فأصبَحَ أمانتي" (٢).
وفي هذا المعنى عنهما شيءٌ غبرُ قليلٍ.
قِسْمَةُ المالِ العامِّ:
والأصل: أنَّ العطيَّةَ تكونُ بينَ الرعيَّة بالسَّوَاء، إلَّا لمصلحةٍ عامَّةٍ راجحةٍ تَقتضيهِ؛ فيكونُ مِن بابِ تأليفِ القلب، ودفعِ شرِّ ذي الشرِّ.
ومِن واجباتِ السُّلْطانِ في المالِ: قِسْمةُ المالِ في مهمَّاتِه، فلا يُقدِّمُ حقًّا على أَحَقَّ منه، فضلًا عن تقديمِ شرٍّ على خيرٍ، وباطل على حقٍّ؛ فالمالُ أمانةٌ، ومَن وضَعَهُ في موضعٍ وهو يَعلَمُ موضعًا أوجَبَ منه وأحَقَّ، فقد تخوَّضَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ؛ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ) (٣).
(١) "تاريخ اليعقوبي" (٢/ ٢٤).
(٢) " الطبقات الكبرى" (٣/ ٢٧٧).
(٣) أخرجه البخاري (٣١١٨).