وتحريمًا للخروجِ عليه، فيَظُنَّهُ الناسُ حدًّا شرعيًّا؛ وإنَّما هو إقرارٌ لعُرْفٍ، وعلامة ذلك خروجُ الصحابةِ خيرِ القرونِ عنه مع عِلْمِهم به، وأقوَى ذلك عمل أهلِ المدينة ومَكَّةَ.
وما مِن فقيهٍ مِن السلفِ والأئمَّة الأربعةِ إلَّا وقد عَمِلَ بالعُرْف، ولكنْ تختلِفُ درجةُ اعتِبارِهِمْ به وجعلِهِ دليلًا مِن الأدلة؛ فذهَبَ المالكيَّةُ والحنفيَّةُ إلى كونِه دليلًا.
وقولهُ تعالى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فيه عدمُ اعتِبارِ عُرْفِ الجُهَّالِ والضُّلَّال، وما تعارَفَ عليه القِلَّةُ ممَّا لا يُقِرُّ به العامَّةُ.
* * *
قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأعراف: ٢٠٠.
في هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ الاستعاذةِ عندَ ورودِ الشيطانِ على الإنسانِ بخَطَراتِ السُّوء، أو دخولِ الإنسانِ أماكنَ يُغلِبُ عليها الشيطانُ كأماكنِ القَذَرِ والنَّجَس، أو الخَلَواتِ المُوحِشةِ والبِقاعِ المُقفِرةِ التي يَغلِبُ على الظنِّ ورودُ الجنِّ والشياطين إليها، ولو لم يَرِدْ دليلٌ في خاصَّةِ ذلك.
الاستعاذةُ عند التثاؤُبِ:
ومِن ذلك: الاستعاذةُ عندَ التثاؤبِ؛ فهو وإن لم يَصِحَّ فيه شيءٌ مرفوعٌ، إلا أنه لمَّا صَحَّ أنَّ التثاؤبَ مِن الشيطانِ؛ كما في قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَان، فَإِذَا تَثاءَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَرُدهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ) (١)، فإنَّه يُستحَبُّ الاستعاذةُ عندَهُ ولو لم يَرِدْ دليلٌ بخصوصِه؛ لعمومِ الآية، ويُروى عن ابن مسعودٍ؛ قال:
(١) أخرجه البخاري (٣٢٨٩)، ومسلم (٢٩٩٤).