والدعاءِ في عَرَفةَ، والجمعِ فيها تقديمًا، وفي مزدلِفةَ تأخيرًا، وغيِرِ ذلك، وأكثرُ أعمالِ الحجِّ وأقوالِه سُنَنٌ، والأمرُ إذا جاء عامًّا ينبَغي أنْ يكونَ غالبًا ليتحقَّقَ عمومُ معناه.
ثمَّ إنَّ الأخذَ في الوحيِ يُرادُ به أخذُ التشريعِ؛ كما في "الصحيحِ" في حدِّ الزِّنَى؛ مِن حديثِ عُبَادةَ بنِ الصامتِ؛ قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ) (١)؛ وهذا الحديثُ رفعٌ لحكمِ الآيةِ ببيانِ إبدالِ تشريعٍ بتشريعٍ جديدٍ في قولِه تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} النساء: ١٥.
ومِن ذلك: ما جاء في "الصحيحينِ"، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ) (٢).
يعني: يُقدَّمونَ علي غيرِهم بالأخذِ، لا أنَّ كلَّ الأخدِ عنهم واجبٌ في ذاتِه.
وبعضُ الفقهاءِ الذين يقولونَ بوجوبِ السعيِ يُقيِّدونَهُ بالذاكرِ، وعلى المتعمِّدِ للتركِ دمٌ، وأمَّا الناسي والجاهلُ، فلا شيءَ عليهما؛ وهذا قولُ الثوريِّ، وقولٌ لعطاءٍ (٣).
والحنفيَّةُ يُوجِبونَ أكثرَ السعيِ، وهو أربعةٌ، ويَعذِرونَ التارِكَ لباقِيهِ (٤).
(١) أخرجه مسلم (١٦٩٠) (٣/ ١٣١٦).
(٢) أخرجه البخاري (٣٨٠٨) (٥/ ٣٦)، ومسلم (٢٤٦٤) (٤/ ١٩١٣).
(٣) ينظر: "فتح الباري" لابن حجر (٣/ ٤٩٩).
(٤) "المبسوط" للشيباني (٢/ ٤٠٧).