السرِّيَّةِ مِن بابِ أَوْلى؛ وهو قولُ الشافعيِّ في الجديد، وهو مذهب الشافعيَّة، فيُوجِبُ الشافعيُّ القراءةَ في سَكَتاتِ الإمامِ؛ لِيَجمَعَ بينَ الامتثالِ للآية، وهو الإنصاتُ، وبينَ الإتيانِ بالرُّكْن، وهو القراءةُ.
ونقَل البُوَيْطِيُّ أنه يقرَأُ فيما أسَرَّ الإمامُ بأمِّ القرآنِ وسورةٍ في الأولَيَيْن، وأُمِّ القرآنِ في الأخريَين، وفيما جهَرَ فيه الإمامُ لا يَقرَأُ مَن خَلْفَهُ إلا بأمِّ القرآنِ.
وكان الشافعيُّ في القديمِ يُوجِبُ القراءةَ في الصلاةِ السِّرَّيَّةِ دونَ الجهريَّة، ثم أوجَبَها في الجميعِ في قولِه الجديدِ.
وللبخاريِّ جزءٌ في القراءةِ خلفَ الإمام، أوجَبَ فيه القراءةَ حتى في الجهريَّة، ووافَقَهُ جماعةٌ مِن أهلِ الحديثِ والفقهِ.
القولُ الثالثُ: أنَّ القراءةَ مستَحبَّةٌ لا تجبُ؛ وهو قولُ الأوزاعيِّ واللَّيْثِ.
وأصحُّ الأقوالِ وأرجَحُها: أنَّ القراءةَ لا تجبُ ولا تُشرَعُ أيضًا في الجهريَّةِ؛ لِمَا ثبَتَ في مسلم، في الإتمامِ بالإمام، عن أبي موسى الأشعريّ، قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وإِذَا قَرَأَ فَأَنصِتُوا)، وذكَرَ بقيَّةَ الحديث، وهو في "السُّننِ"، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال: (وإِذَا قَرَأ، فَأَنصِتُوا) (١)، وقد صحَّحَهُ مسلمٌ (٢)، وحديثُ أبي هريرةَ في "الصحيحَيْنِ"، وليس فيه هذه اللَّفْظةُ (٣)؛ ولذا أعلَّها بعضُهم.
لأنَّ اللهَ لم يأمُرِ الإمامَ بالجهرِ بالقراءة، إلَّا لأجلِ المأمومِ، ولم
(١) أخرجه أحمد (٢/ ٣٧٦)، وأبو داود (٦٠٤)، والنسائي (٩٢١)، وابن ماجه (٨٤٦).
(٢) "صحيح مسلم" (٤٠٤) (٦٣).
(٣) أخرجه البخاري (٧٢٢)، ومسلم (٤١٤).