وأمَرَ اللهُ أن يكونَ الذِّكرُ للنَّفْس وسَطًا لا جهرًا ولا إسرارًا، وهذا في الذِّكْرِ والقراءة، كما في الآية وكما في قولِه: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} الإسراء: ١١٠.
مشروعيةُ الذِّكْرِ وقراءةِ القرآنِ في الصَّباحِ والمَسَاءِ:
وقولُه تعالى: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} يتضمَّنُ مشروعيةَ الذِّكرِ وقراءةِ القرآن في الصباح والمساء، وأن يكونَ للمسلمِ وِرْدٌ مِن ذلك، فالغُدُوُّ هو البُكورُ والإصباحُ، وأما الآصالُ فالعَشِيُّ.
ولا يختلِفُ السلفُ أنَّ أذكارَ الصباحِ تكونُ بعد طلوعِ الفَجْر، وأنَّ ما قَبْلَها فهو مِن أذكارِ الليل، والسُّنَّةُ والأثَرُ دالَّانِ على أنَّهم يَذكُرونَ أذكارَ الصباحِ بعد صلاةِ الفَجْر، ومَن ذَكَرَها قبلَ ذلك جاز، وقد فَسَّرَ مجاهِدٌ الغُدُوَّ في الآيةِ بأنه آخِرُ الفجر، وهو وقتُ صلاةِ الصبح.
ويمتَدُّ الصباحُ إلى نهايةِ الضُّحى، والسُّنَّةُ: التبكيرُ بالذِّكرِ؛ لأنَّ فيه حِرْزًا وحِصنًا وكِفاية، ففَضْلُه في أوَّلِ وقتِه شبيهٌ بفضلِ الصلاة أوَّلَ وقتِها، وإنْ أَخَّرَها لآخِرِه صحَّ ذلك وجازَ.
وأمَّا العَشِيُّ - وهو الآصالُ في الآية - فقد اختلَفَ السلفُ فيه:
فمِنهم مَن جعلَه يبدأُ مِن العَصْرِ؛ وهو قولُ مجاهدٍ.
ومِنهم مَن جعلَه يبدأُ مِن مَغِيبِ الشمس؛ كأبي وائلٍ، وبه قال ابنُ جريرٍ، ونسَبَه إلى العرب، قال معرّفُ بن واصلٍ السَّعديُّ: سمعتُ أبا وائلٍ -يعني: شَقِيقَ بنَ سَلَمَةَ- يقولُ لغُلَامِه عندَ مغيبِ الشمس: "آصَلْنا بعدُ؟ "؛ يعني: دَخَلْنا في الأصيل؟