الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} البقرة: ٢١٦، وعندَ قولِهِ تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} النساء: ٧٤؛ فلْيُنظَرْ.
ولمَّا كانتِ الدُّنيا مَحَلَّ طمعٍ، والأنفالُ موضعًا للأثَرَةِ والتكثُّرِ؛ بيَّنَ اللهُ أمورًا أربعةً:
الأوَّلُ: أنَّ مِلْكَها وفَصْلَها وتقسيمَها إلى اللهِ ورسولِه: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}؛ فلا تُقَسَمُ بالهَوَى ومَيْلِ النفسِ.
الثاني: فضلُ التقوى والأمرُ بها: {فَاتَّقُوا اللَّهَ}؛ وهو عامٌّ لقاسِمِ الغنيمةِ ومُستحِقِّها والمنازعِ عليها؛ فكلُّ أحدٍ يتَّقي اللهَ فيما وجَبَ عليه وله؛ فالقاسمُ يَعدِلُ، والآخِذُ يَستعمِلُ المالَ في حقِّه، ويَضَعُهُ في مَوْضعِه، ولا يَرفَعُهُ فوقَ منزلتِهِ التي أنزَلَهُ اللهُ إيَّاها؛ فيكونَ غايةً ومطلوبًا أعظَمَ مِن إعلاءِ كلمةِ الله، وكذلك يُؤمَرُ المنازعُ الطامِعُ فيها يَزيدُ عن حقِّه أنْ يَتَّقِيَ اللهَ في أمرِ اللهِ وحُكْمِهِ؛ فلا يأخُذَ حقَّ غيرِهِ ومالَه.
الثالثُ: فضلُ الإصلاحِ والأمرُ به: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}؛ لأنَّ المالَ: إمَّا أنْ يُصلِحَ، وإمَّا أنْ يُفسِدَ؛ فإنْ أفسَدَ ذاتَ البَيْن، فيجبُ الإصلاحُ بينَ المُتباغِضِينَ لأجلِه، وبيانُ الحقوقِ وفصلُها بينَ المُتحاقِقينَ.
الرابعُ: الأمرُ بطاعةِ اللهِ وطاعةِ نبيِّه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ لأنَّ وجودَ الدُّنيا والمالِ مَظِنَّةٌ لوجودِ الهَوَى المُطاعِ والشُّحِّ المُتَّبَعِ.
نَسْخُ آيةِ الأنفالِ وإحكامُها:
وهذه الآيةُ أوَّلُ ما نزَلَ مِن أحكامِ الغنائم، وجاء مزيدُ تفصيلٍ بعدَ ذلك بقولِهِ تعالى في هذه السُّورةِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآيةَ الأنفال: ٤١، وقد اختلَفَ العلماءُ في آيةِ الغنيمةِ: هل هي ناسخةٌ لآيةِ الأنفالِ أو لا؟ على قولَيْنِ: