وإنَّما رجَّحَ بعضُهم النَّسْخَ؛ لأنَّ اللهَ قسَّمَ الغنيمةَ بعدَ آيةِ الأنفال، وآيةُ الأنفالِ جعَلَتِ المَغنَمَ كلَّه للهِ ورسولِهِ مِلْكًا؛ وهذا لا يَجْعَلُ فيه لغيرِهم حقًّا مقسومًا محدودًا، وكذلك فإنَّ في آيةِ قسمةِ الغنيمةِ الآتيةِ تقسيمًا للغنيمةِ وجَعْلَ خمُسِها للهِ ولرسولِهِ ولذي القُربى واليتامى والمساكين، ولا محلَّ فيها لنفَلِ الغازي إلَّا مِن الخُمُسِ.
والأئمَّةُ الأربعةُ يتَّفقونَ على أنَّ حُكْمَ النفَلِ محكَمٌ في ذاتِه؛ وإنَّما خلافُهم بينَهم في الموضعِ الذي يأخُذُ منه الأميرُ النفَلَ فيَخُصُّ له أحدًا: هل يكون مِن أصلِ الغنيمةِ؛ أي: قبلَ قسْمتِها، فيُنفَّلَ المُستحِقُّ ثم تُخمَّسَ، أو يُخرَجُ الخُمُسُ ويُنفَّلُ مِن الأربعةِ الأخماس، أو تُخمَّسُ ويُعطَى مُستحِقُّ النفَلِ مِن الخُمُسِ أو مِن خُمُسِ الخُمُسِ؟ على أقوالٍ:
الأوَّلُ: أنَّ النفَلَ بكون مِن أصلِ الغنيمةِ قبلَ تخميسِها وتقسيِمِها، فيُنفِّلُ الإمامُ مَن شاءَ ثم يُقسِّمُها؛ بهذا يقولُ مَن أخَذَ بظاهرِ آيةِ الأنفالِ وأَحْكَمَها؛ كالأوزاعيِّ وأحمدَ وغيرِهما.
الثاني: أنَّ النفَلَ يكونُ بعدَ قِسْمةِ الغنيمة، ويكونُ في الخُمُسِ؛ وبهذا يقولُ الجمهورُ، ولكنَّهم اختلَفوا فيما بينَهم في محلِّ الملِ مِن الخُمَسِ؛ هل يكونُ مِن جميعِ الخُمُسِ فللأميرِ حقٌّ بتنفيلِه كلِّه، أو لا يحقُّ له إلَّا التنفيل مِن خمُسِ الخُمُسِ الذي هو (للهِ) فقط؟ على قولينِ:
ذهَب الجمهورُ -وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفةَ في أحدِ قولَيْه -: إلى أنَّ محلَّه الخمسُ كلُّه، فللأميرِ أن يُنفِّلَ منه ما شاءَ ولو كاملًا.
وحُكْمُ النفَلِ عندَ الجمهورِ حُكْمُ السَّلَب، يأخذُ القاتلُ سَلَبَ المفتول، ولا يدخلُ سَلَبُهُ في الغنيمةِ.
وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نفَّلَ بعدَما خمَّسَ الغنيمةَ، ففي "الصحيحَينِ"، عن ابنِ عمرَ -رضي الله عنه-: "أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا