فعَلَا مكروهًا غيرَ مستحَبٍّ، وإنَّما كانتِ الكراهةُ؛ لأنَّه ثبَتَ في الشرعِ سُنِّيَّةُ التكبيرِ والتسبيحِ عندَ سماعِ ما يُفرِحُ ويُعجَبُ منه، ولأنَّه مِن خصائصِ النِّساءِ؛ كما في طاهرِ الحديثِ: (التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ)؛ يعني: خارجَ الصلاة، فكان لهنَّ داخِلَها، فلم يكنْ في عُرْفِ الرِّحالِ إلَّا في الزمنِ المتأخِّر، وإنْ فعَلَهُ ونُسِبَ لآحادٍ وعوامَّ عن السابقِينَ.
وقد كان ابنُ عمرَ وأبو سلمةَ بن عبد الرحمنِ يُسألانِ عن التصفيرِ والتصفيق، فيَفْعَلانِ ذلك لبيانِه، ولو كان محرَّمًا بعَيْنِه، لَمَا جازَ فعلُهُ ولو لبيانِه؛ لأنَّ بيانَهُ بالكلامِ ممكِنٌ لكلِّ أحدٍ؛ كما رَوَى ابنُ جريرٍ، عن قُرَّةَ، عن عطيَّةَ، عن ابنِ عمرَ؛ في قولِه: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}؛ قَالَ: "المُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ. وَقَالَ قُرَّةُ: "وَحَكَى لَنَا عَطِيَّةُ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ؛ فَصَفَّرَ، وَأَمَالَ خَدَّهُ، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ" (١).
وأمَّا ما رواهُ ابنُ عساكرَ في "تاريخِه"، عن الحسنِ البصريِّ مرسلًا؛ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (عَشْرُ خِصَالٍ عَمِلَهَا قَوْمُ لُوطٍ، بهَا هَلَكُلوا، وَتَزِيدُهَا أُمَّتِي بِخَلَّةٍ)، فذكَرَ الخِصالَ، ومنها التصفيقُ (٢)، فلا يَثبُتُ، وهو مُنكَرٌ.
ويجوز للمرأةِ الزَّغْرَدَةُ والتصفيرُ؛ لجوازِ التصفيقِ لها، وجعَلَهُ بعضُ فُقهاءِ المالكيَّةِ في حُكْمِ ضربِ الدُّفِّ في إظهارِ النِّكاحِ.
التعبُّدُ للهِ بالألحانِ والآهاتِ:
أمَّا التعبُّدُ بالآهاتِ والألحان، وذِكْرُ اللهِ بها: فلا يُعرَفُ في القُرونِ المفضَّلةِ التعبُّدُ للهِ بالأذكارِ والأدعيةِ باللُّحونِ والآهات، وهذا ممَّا حدَثَ
(١) "تفسير الطبري" (١١/ ١٦٣).
(٢) "تاريخ دمشق" (٥٠/ ٣٢٢).