عليهم مِن ذلك البابِ المُغلَق، وأحسِبُ أنَّ لأولئك المُقاتِلينَ مِن أجرِ ما أَمِنَتْ به الأمَّةُ بسببِهم، وما أقاموهُ بسبب ذلك مِن صلاةٍ وزكاةٍ ونُسُكِ وذِكرِ ودُعَاءٍ وصِلَةِ رَحِمِ وعمارةِ المساجدِ وغيرِ ذلك، واللهُ أعلَمُ.
قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الأنفال: ٦١.
تقدَّمَ الكلامُ على المُسالَمةِ والمُوادَعةِ والمُهادَنة، ومعنى السَّلْمِ والسِّلْمِ بفتحِ السِّينِ وكسرِها في سورة البقرةِ عندَ قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} البقرة: ٢٠٨، وتكلَّمْنا على المَعنيَيْنِ: معنَى الدخُولِ في الإسلام، والسلمِ الذي هو بمعى المُسالَمةِ والأمان والمُهادَنةِ؛ كما في هذه الآيةِ.
وآيةُ البابِ هذه قد اختلَفَ العلماءُ مِن السلفِ في نَسْخِها على قولينِ:
قال بعضُ السلفِ: إنَّها منسوخةٌ، ومَن قال بالنَّسخ، اختلَفُوا في الناسخِ لها:
فرُوِيَ عن عِكْرِمةَ والحسَنِ: أنَّها منسوخةٌ بقولِهِ تعالى في سورةِ براءةَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} التوبة: ٢٩ (١).
وقيل: نُسِخَت بآيةِ القتالِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التوبة: ٥ قاله قتادةُ (٢).
(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٢٥٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٢٥).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٢٥٢).