النَّاسِ)، وظهورُهُمْ بسبب جهادِهم؛ كما لي مسلم؛ مِن حديثِ جابرٍ (١)، ومعاويةَ (٢)، مرفوعًا: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أمَّتِي يُقَاتِلونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقيَامَةِ).
وفد استدَلَّ البخاريُّ على دَيْمُومةِ الجهادِ بقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ (٣)؛ لأنَّ المرادَ بخيريَّتها أثرُها في الجهادِ في سبيلِ اللهِ.
ولم يَرِد في السُّنَّةِ والقرآنِ أمرٌ بطلبِ السَّلْمِ؛ وإنَّما الواردُ قَبولُهُ عندَ عَرْضِهِ والحاجةِ إليه، وهذا لأنَّ النفوسَ ميَّالةٌ إلى حُبِّ السلامة، فتجدُ مِن الأمرِ ما يَدْعُوها إليه فتَرْكنُ، وأمَّا قولُهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} البقرة: ٢٠٨، فالمرادُ بالسِّلْمِ الإسلامُ باتِّفاقِهم.
والسَّلْمُ مع العدوِّ على نوعَيْنِ:
الأوَّلُ: سلمٌ دائمٌ مع كلِّ عدوّ، وإلى الأبد، بلا أمَدٍ؛ فهذا لا يجوزُ ولا يصحُّ، كما تقدَّمَ.
الثاني: سلمٌ مع عدوِّ واحدٍ، أو بعضِ الأعداءِ أو أكثرِهم؛ فذلك جائزٌ بشروطِه.
المُدَّةُ في مسالَمةِ الكافرِ:
يَتَّفِقُ العلماءُ على أنه لا حَدَّ أَدْنى لزمنِ مُسالَمةِ العدوِّ ومهادَنتِه، وأنَّه لا تجوزُ المُهادَنةُ الأبديَّةُ، وإنَّما اختلَفُوا في أَعْلى مُدَّةِ المُسالَمةِ والمُهادَنةِ على قولَينِ:
ذهَبَ جمهورُ الفقَهاءِ: إلى أنه لا بُدَّ مِن حَدٍّ لمُسالَمةِ الكفارِ
(١) أخرجه مسلم (١٥٦) و (١٩٢٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٠٣٧).
(٣) سبق تخريجه.