يَمِينَكَ، ثمَّ تلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} المائدة: ٨٧ (١).
وقد روى سعيدُ بن منصورٍ وابنُ جريرٍ، عن سُلَيْمانَ، عن أبي مِجْلَزٍ؛ في قولِه: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}؛ قال: "هي النذورُ في المعاصِي" (٢).
ويَظهرُ هذا التأويلُ في قولِه تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} الآياتِ الأنعام: ١٤٢ - ١٤٣؛ فذكَرَ الأصلَ، وهو الحِلُّ، ثمَّ حذَّرَ مِن خطواتِ الشيطانِ، وفصَّلَ بينَ الحِلِّ وتحريمِ الشيطانِ.
واللهُ تعالى وجَّهَ الخطابَ لعمومِ الناسِ في قولِه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}، وتوجيهُ الخطابِ للعمومِ، دليلٌ أنَّ مضمونَ الخطابِ عامٌّ؛ إما في التحليلِ أو التحريمِ، وكلَّما اتَّسَعَتْ دائرةُ المخاطَبِينَ، اتَّسعَ مضمونُ خطابِهم.
ويدخُلُ في عمومِ قولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} عمومُ البشرِ؛ المسلمُ والكافرُ، والخطابُ إذا توجَّهَ إلى أهلِ مِلَّتَيْنِ دلَّ على عمومِه، ولا يدخُلُهُ التقييدُ إلا في النادرِ.
وقد اختَلفَ العلماءُ في دخولِ الكفارِ في خطابِ العمومِ في هذه الآيةِ، وهل يحاسَبُونَ في الآخِرةِ على الأكلِ مِن الأرضِ مما يُباحُ للمؤمنينَ؟ وهذا يأتي تفصيلُهُ إن شاءَ اللهُ عندَ تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} المائدة: ٩٣، وقولِهِ:
(١) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٨٩٠٨) (٩/ ١٨٤)، والبيهقي في "الكبرى" (٧/ ٣٥٤).
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" (٢٤٢) (٢/ ٦٤٣)، وابن جرير في "تفسيره" (٣/ ٣٩).