عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} الأنفال: ٥٦، وقولِهِ تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الأنفال: ٧٢.
* * *
قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)} التوبة: ٥.
اختُلِفَ في المُرادِ بالأشهُرِ الحُرُمِ في هذه الآيةِ: هل هي التي حَرُمَ فيها القتالُ؛ ذو القَعْدةِ وذو الحِجَّةِ والمحرَّمُ ورجَبٌ، أو هي الأشهُرُ الأربعةُ التي جعَلَها اللهُ أجَلًا للمشرِكِينَ كافَّةَ يُراجِعونَ أنفُسَهُمْ فيها، وهي أسْهُرُ التَّسْييرِ؟ !
اختَلَفَ الناسُ في ذلك على قولَيْنِ:
القولُ الأول: أنَّها الأشهُرُ الحرُمُ التي كان القِتالُ فيها محرَّمًا، وهي المقصودةُ بقولِهِ تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} التوبة: ٣٦ وبهذا القولِ قال ابنُ عبَّاسٍ؛ رواهُ عنه علي بن أبي طَلْحةَ، وقال به الضحَّاكُ، ورجَّحَهُ ابنُ جَريرِ (١).
القولُ الثَّاني: أنَّها الأشهُرُ الأربعةُ المقدَّرةُ للمُشرِكينَ يومَ الحجِّ الأكبرِ خاصَّةً، وهي أشهُرُ التَّسْيِيرِ والسَّيْحِ في الأرض، فسُمِّيَت حُرُمًا؛ لأنَّ اللهَ حرمَ فيها قِتالَ أحَدٍ في تلك المُهْلَةِ خاصَّةً، وبه قال مجاهدٌ ومحمدُ بن إسحاقَ وقتادةُ وعبدُ الرحمنِ بن زيدٍ وغيرُهم (٢).
(١) "تفسير ابن كثير" (٤/ ١١٠).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٤/ ١١١).