والصوابُ: أنَّ الإجارةَ مُلزِمةٌ مِن كلِّ مسلمٍ على المُسلِمينَ، وجَعْلُها مَنُوطة بالحاكمِ تضييقٌ لِذِمَّةِ المُسلِمينَ، وتنفيرٌ مِن إقبالِ الكفَّارِ على الإسلام، والأميرُ لا يُحيطُ بِمَعْرِفةِ وسَطِ البُلْدان، فضلًا عن أطرافِها، ولا قُدْرةَ له على معرِفةِ الداخِلينَ إلى الثغور، حتَّى لو وضَعَ نُوَّابًا له على كلِّ ثَغْرٍ، فإنَّ الذِّمَّةَ لو أُنيطَتْ بالأميرِ ونائبِه، لَمَا تحقَّقَتْ ذِمَّةٌ للمُسلِمينَ، ولَسُفِكَتْ دماءٌ حقُّها أن تُعصَمَ، ولَصَدَّ ذلك عن الإقبالِ على الإسلامِ.
أمَان المرأةِ والعبد، والصبيِّ والذمِّيِّ:
وتُجيُر المرأةُ كالرَّجُلِ؛ لظاهرِ الأدلَّةِ؛ ففي "الصحيحَيْن"؛ قالَتْ أمِّ هاني للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ فتْح مَكَّةَ: إنَّني أجَرْتُ رجُلَيْنِ مِن أَحْمَائي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (قَدْ أجَرْنَا مَنْ أجَرْتِ يَا أمَّ هَانِئٍ) (١).
وحكى بعضُ العلماءِ الإجماعَ على ذلك؛ كابنِ المُنذِر (٢)، والخطَّابي (٣)، وغيرِهما، وقولُ ابنِ الماجِشون في خلافِ ذلك شاذٌّ غيرُ مُعتبَر، وقد صحَّ عن عائشةَ -رضي الله عنها-؛ أنَّها قالتْ: "إِن كَانَتِ المَرْأةُ لَتُجِيرُ عَلَى المُسْلِمِينَ"؛ رواهُ النسائي والبيهقيُّ (٤).
وفد جاء مِن طرُقِ أنَّ زينب بنتَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - امرأةَ أبي العاصِ أجارَت زَوْجَها أبا العاصِ بنَ الرَّبيع، فأجازَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِوَارَها (٥).
وأما العبدُ، فقد اختُلِفَ في إجارته، والجمهورُ على صحَّتِها ولو لم
(١) أخرجه البخاري (٣٥٧)، ومسلم (٣٣٦).
(٢) "الأوسط" لابن المنذر (٦/ ٢٧٦)، و "الإجماع" له (ص ٦٤).
(٣) "معالم السنن" (٢/ ٣٢٠).
(٤) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (٨٦٣٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ١٩٤).
(٥) ينظر مثلًا: "مصنف عبد الرزاق" (٩٤٤٠) و"المعجم الكبير" للطبراني (١٠٤٧)، و"المستدرك" للحاكم (٤/ ٤٥)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (٩/ ٩٥).