مطمَعٌ ورغبةٌ في إظهارِ العبادة، فمُنِعُوا مِن ذلك وشدِّدَ عليهم، فجاءتِ الَايهُ بالنصِّ عليه بالتحريم، ولأنَّه قِبْلةُ المُسلِمينَ، والحَدَثُ فيه ليس كغَيْرِه، فوجَبَ صِيانتُهُ وتعظيمُه.
واختُلِفَ في تعميمِ النَّهْيِ على سائرِ مساجدِ الأرض، وبالتعميم قال عمرُ بن عبد العزيرِ ومالكٌ فقد روى ابنُ جَريرٍ، عن أبي عمروٍ؛ أنَّ عمرَ بنَ عبد العزيزِ كتَب: أنِ امنَعُوا اليهودَ والنَّصَارى مِن دخولِ مساجدِ المُسلِمينَ، وأتْبَعَ في نهيِهِ قولَ اللَّهِ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (١).
ولم يَقُلْ بالتعميمِ الشافعيُّ وجماعةٌ؛ فقد آجازَ الدخولَ بإذنِ المُسلِمينَ.
والأصلُ: أنَّ عامَّةَ المساجدِ لا يَدْخُلُها إلَّا مسلِمٌ، ما لم تَكُنْ حاجةٌ، وذلك لأمورٍ عدَّةٍ:
منها: أنَّ المساجدَ بيوتُ الله، وبيوتُهُ لا يَعْمُرُها مَن لا يَعْبُدُه، وحتَّى لا يَختلِطَ الإسلامُ بغيرِهِ مِن الكفرِ والشِّرْك، كان الأصلُ مَنْعَ المشرِكِ مِن دخولِ المساجدِ؛ بخلافِ الحاجةِ العارضةِ؛ وذلك أنَّ عِمارتَها مِن غيرِ أهلِها يُخالِفُ المقصودَ مِن بِنائِها.
ومنها: أن الإذنَ بدخولِ المشرِكينَ للمساجد، وجَعْلَ ذلك أصلًا كدخولِ المُسلِمينَ: يُذهِبُ فضلَ المساجدِ الذي اختَصَّتْ به عن بقاعِ الأرضِ؛ كما في مسلمٍ؛ مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (أحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أسوَاقُهَا) (٢)؛ فلا فَرْقَ بينَ المسجدِ والسُّوق، وإنَّما اختَصَّتِ المساجدُ بالفضلِ؛ لاختصاصِ المُسلِمينَ بها، ولاختصاصِها مِن جهةِ الأصلِ بالعبادةِ؛ وذلك أنَّ دخولَ الكافِرينَ إليها يَجعَلُهُمْ يَفعَلونَ ما يَشاؤونَ مِن اللَّغوِ والحديث، ولا
(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٩٨).
(٢) أخرجه مسلم (٦٧١).