فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ)، ثم قال: (فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ) (١)، فأمَرَ بالإمساكِ بعدَ بَذْلِ الجِزْيةِ.
وأمَّا وضعُ عيسى للجزية، وعَدَمُ قَبُولِهِ لها مِن أهلِ الكتابِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (وَيَضَعَ الجِزْيَةَ) (٢)؛ يعني لا يَقْبَلُها -: فذلك مخصوصٌ به، وينتهي التخييرُ، مع أنَّ عيسى يقضي بدِينِ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه بنزولِ عيسى يَنقطِعُ إيمانُهُمْ به؛ لأنَّه يَدْعوهم إلى الإسلامِ والإيمانِ بمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وبعدَ ظهورِ عيسى وأمرِهِ فإنَّ مَن لم يُجِبْهُ ليس مؤمِنًا لا بمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ولا بعيسى عليه السلام، فتَعلُّقُهُمْ أنَّهم مُؤمِنونَ بكتابٍ قديمٍ يَقطِعُ بخروجِ نبيِّ بني إسرائيلَ فيهم.
خَصُوصيَّةُ أهلِ الكتابِ بالجِزْيةِ:
ولا خلافَ عندَ العلماءِ في أخذِ الجزيةِ مِن أهلِ الكتابِ؛ لظاهرِ الآية، وإنَّما الخلافُ عندَهم في غيرِ الكتابيِّينَ مِن الوثنيِّينَ والمَلَاحِدة، على أقوالٍ:
الأوَّلُ: ذهَبَ الشافعيُّ، وأحمدُ في روايةٍ عنه: إلى أنَّها خاصَّةٌ بأهلِ الكتاب، وهي سُنَّةٌ فيهم لا تتَجاوَزُهم إلى غيرِهم إلَّا بدليلِ؛ وذلك لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - في المجوسِ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةً أَهْلِ الْكتَابِ" (٣)، فدَل ذلك على تخصيصِهم, والأصلُ: عدمُ دخولِ المَجُوسِ حتَّى ألحَقَهُمْ بهم.
واختَلَفَ هؤلاءِ في العِلَّةِ التي التي أُلحِقَ لِأجْلِها المجوسُ بأهلِ
(١) أخرجه مسلم (١٧٣١).
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٢٢)، ومسلم (١٥٥).
(٣) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٢٧٨)، وعبد الرزاق في "المصنف" (١٠٠٢٥)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٠٧٦٥).