الجنسِ؛ لبيانِ عمومِ تحريمِ أَكْلِها؛ فاللهُ قال قبلَ ذلك: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة: ١٧٢، ثمَّ استثنَى مِن المأكولِ ما في قوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ}؛ يعني: ممَّا يُؤكَلُ، وهذا لا يختلِفُ فيه العلماءُ، وإنَّما اختلَفوا في الانتفاعِ بغيرِ الأكلِ مِن الميتةِ؛ لأنَّه خارجُ نصِّ الآيةِ وصريحِها.
وبيَّنَ اللهُ بعضَ أحوالِ الميتةِ في سورةِ المائدةِ في قولِهِ تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} ٣، ويأتي بيانُهُ في موضعِهِ مِن سورةِ المائدةِ بإذنِ اللهِ.
وقد أجمَعَ العلماءُ على تحريمِ بيعِ المَيْتةِ مِن لَحْمٍ وشَحْمٍ وعَصَبٍ؛ حكاهُ ابنُ المنذرِ وغيرُه، وإنَّما اختلَفوا في بيعِ جِلْدِها (١).
وقولُهُ: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ}؛ يعني: ما ذُبِحَ لغيرِ اللهِ مِن صَنَمٍ أو وَثَنٍ، والمرادُ بالإهلالِ: رفعُ الصوتِ بالكلامِ، وكانتِ العربُ ترفعُ صوتَها عندَ الذبحِ باسمِ المذبوحِ له، وغلَبَ إطلاقُ اسمِ "المُهِلِّ" على الذابحِ في كلِّ حالٍ.
روى ابنُ جريرٍ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}: "يعني: ما أُهِلَّ للطَّواغيتِ كلِّها" (٢)، وبنحوِه قال مجاهدٌ وعطاءٌ, وقتادةُ والضحَّاكُ (٣).
الاضطرارُ وحكمُهُ:
وقولُه: {فَمَنِ اضْطُرَّ}: الاضطرارُ: ما لا مجالَ للاختيارِ فيه، وهو خلافُ الاكتساب الذي يكونُ معه الاختيارُ؛ ولذا يقالُ للعارِفِ: باضطرارٍ عَرَفْتَ هذا أم باكتسابٍ؟
(١) ينظر: "الإقناع" لابن المنذر (١/ ٢٤٧)، و"المجموع" (٩/ ٢٣٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٥٧).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٥٦).