ورُوِيَ عن عِكْرِمةَ والحسَنِ؛ أنَّ هذه الآيةَ منسوخةٌ (١)، والجماهيرُ على عدَمِ نسخِها، فهي مخصوصةٌ لقومٍ استُنفِرُوا ولمِ يَنفِرُوا، وحُكْمُ النَّفيرِ يَختلِفُ عن غيرِه، ويَجِبُ على الإمامِ أنْ يَجعَلَ مِقْدارَ استنفارِهِ بحسَبِ حاجةِ الدَّفْعِ والثُّغورِ؛ حتَّى لا تَخْلُوَ البُلْدانُ مِن الناسِ ومِن علماءَ يَحْمُونَ الدِّينَ، وقُرَّاءٍ يُقرِئُونَ الناسَ؛ كما يأتي بيانُه.
وآيةُ البابِ مخصوصةٌ بآياتٍ أُخرى، والتخصيصُ قد يُسمِّيهِ بعضُ المفسِّرينَ مِن السلفِ نَسْخًا.
* * *
قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} التوبة: ٤٧.
كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعامِلُ المُنافِقِينَ بما يُظهِرونَهُ ولو كان يَعلَمُ مِن باطنِهم - بالوحي، ولَحْنِ القول، وببَعْضِ ما يُظهِرونَهُ - الكُفْرَ، وقد كان يأذَنُ لهم بالخَروجِ إلى الجهادِ؛ كما خرَجُوا معه في أُحُدٍ وتَبُوكَ وغيرِهما.
شرورُ المُنافِقِينَ في صَفِّ المؤمِنينَ:
بيَّن اللهُ نِعْمَتَهُ في عدمِ خروجِ المُنافِقينَ في صفِّ المُسلِمينَ للقتال، وأنَّهم يَضُرُّونَ أكثرَ ممَّا يَنْفَعونَ، ولو كان في خروجِهم نفعٌ، فهو في تكثيرِ السواد، فيَراهُم العدوُّ كثيرًا، وأمَّا ضرَرُهم، فقد ذكَرَ الله في خروجِ المُنافِقينَ في صفِّ المؤمِنينَ شرورًا ثلاثةً:
الأوَّلُ: أنَّهم أصحابُ رأيٍ سَوْءٍ، لا رأيٍ سديدٍ؛ وذلك في
(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٤٦٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٧٩٨).