هل يجبُ استيعابُ الأصنافِ الثَّمَانِيَةِ في كُلِّ زكاةٍ؟ :
لا خلافَ عندَ العلماءِ في بقاءِ مصارفِ الزكاةِ للأصنافِ الثمانيةِ بعدَ وفاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إلَّا المؤلَّفةَ قلوبُهُمْ؛ ففد اختَلَفُوا في بقاءِ سَهْمِهم على قولَيْنِ؛ كما يأتي بيانُه.
وقد اختَلَفَ العلماءُ في استيعابِ الأصنافِ الثمانيةِ: هل هو واجبٌ في كلِّ مالٍ زكَويٍّ، أو ذلك بحسَبِ الحاجةِ والإمكانِ؟ على قولَيْنِ للفقَهاءِ:
قالتْ طائفةٌ: إنَّ استيعابَ الأصنافِ الثمانيةِ واجبٌ؛ وهذا قولُ الشافعيِّ.
وقالتْ أُخرى: إنَّ الاستيعابَ غيرُ واجبٍ، وإنَّه يجوزُ الدَّفْعُ لواحدٍ مِن الأصنافِ الثمانيةِ ما كان أحوَجَ مِن غيرِه؛ وهذا قول أكثرِ السلفِ والفقهاء، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ، وبه قال ابنُ عمرَ وحذيفةُ وابنُ عبَّاسٍ وأبو العاليةِ وميمونُ بن مِهْرانَ وابنُ جُبيرٍ وعطاءٌ والحسنُ، ومَن تأمَّلَ فِعْلَ الصحابة، وجَدَ أنَّهم لا يَختلِفونَ في جوازِ جَعْلِها في صِنْفٍ واحدٍ، وعدمِ وجوبِ الاستيعابِ.
وقد حكى الإجماعَ العَمَلِيَّ مالكُ؛ فقد نقَلَ عنه ابنُ وهبٍ قولَهُ: أدرَكْتُ أهلَ العِلْمِ ومَن أَرْضَى لا يَختلِفونَ في أنَّ القَسْمَ في سُهْمَانِ الصَّدقاتِ على الاجتهادِ مِن الوَالي (١).
والآيةُ إنَّما ذكَرَتِ المصارفَ الثمانيةَ لبيانِ مستحِقِّيها، لا لوجوبِ القسمةِ بينَهم مُتساوِيًا أو غيرَ متساوٍ؛ وذلك لأمورٍ:
منها: أنَّ اللهَ ذكَرَ الأصنافَ المستحِقَّةَ للزَّكَاة، ولو كان الاستيعابُ
(١) "أحكام القرآن" للطحاوي (١/ ٣٧١).