وقولُه تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}، المرادُ بالرِّقابِ: الأَرِقَّاءُ؛ فلهم نصيبٌ مِن الزَّكاةِ لإعتاقِهم، سواءٌ كان مُكاتَبًا بَقِيَ عليه شيءٌ كثيرٌ أو قليلٌ، أو كان رَقَبةً لم يُعتَقْ منه شيءٌ؛ فهو داخلٌ في هذه الآيةِ؛ وهذا قولُ أكثَرِ السَّلَفِ والفُقَهاءِ؛ كمالِكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ والشافعيِّ.
ورُوِيَ عن مالكٍ في روايةٍ: أنَّ المُكاتَبَ يكونَ مِن الغارِمينَ، لا في نصيبِ الرِّقابِ.
والأظهَرُ: عمومُ الآيةِ في الرقيقِ وفي المكاتَب، وقد قال اللهُ في حقِّهم: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} النور: ٣٣.
وقولُه تعالى: {وَالْغَارِمِينَ}، المرادُ بالغارمِ: هو مَنْ عليه دَيْنٌ؛ كمَنِ اقتَرَضَ لرِزْقِهِ ورِزْقِ عيالِه، ولم يَجِدْ وفاءً، أو احترَقَتْ دارُهُ أو تجارتُه، أو ذهَبَ السَّيْلُ بزَرْعِهِ وماشيتِه، وقد قضى عمرُ بن عبد العزيزِ دَيْنَ القاسِمِ بنِ مُخيمِرةَ وهو تِسْعونَ دينارًا، وقال: أنتَ مِن الغارِمينَ، وأمَرَ له بخادمٍ ومَسْكَنٍ (١).
الفَرْق بينَ دَيْنِ الحيِّ ودَيْنِ الميِّتِ:
ومَنْ عليه دَيْنٌ: إمَّا أن يكونَ حيًّا، وإمَّا أن يكونَ ميتًا؛ فإنْ كان ميتًا، فقد اختلَفَ العلماءُ في إعطائِهِ مِن الزكاةِ على قولَيْنِ:
القولُ الأولُ: قالوا بالمنعِ؛ وهذا قولُ أكثرِ العلماءِ؛ خلافًا للمالكيَّة، على أنه لا تُدفَعُ الزكاة لقَضاءِ دَيْنِه؛ وذلك أنَّ الغارِمَ هو الذي يَستحِقُّ الزكاةَ، وهو مَيِّتٌ، وإذا أُعطِيَتْ غريمَهُ، وهو الدَّائِنُ، صار الدفعُ إلى الغريمِ لا إلى الغارم، وقد قال أحمدُ بن حنبلٍ: "الميِّتُ لا يكونُ غارِمًا، قيل له: أيُعْطى أهلُهُ؟ قال: إنْ كانتْ على أهلِه، فنعَمْ" (٢).
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٢٤).
(٢) "المغني" لابن قدامة (٤/ ١٢٦).