حكمُ الانتفاعِ بالمَيْتَةِ:
والآيةُ دالَّةٌ بنصِّها على تحريمِ أكلِ المَيْتةِ؛ لقولِهِ في الآيةِ قبلَها: {كُلُوا} البقرة: ١٧٢، فاستَثْنَى هنا المَيْتةَ وغيرَها مِن المأكولاتِ؛ ولذا وقَعَ خلافٌ عندَ العلماءِ في حكمِ الانتفاعِ بشيءٍ ممَّا في المَيْتةِ لغيرِ الأكلِ؛ كالجلودِ والأظفارِ والأظلافِ والقُرُونِ، ولفظُ "الميتةِ" ليس مِن صِيَغِ العمومِ، وليس مِن الألفاظِ الكليَّةِ.
والعلماءُ يَتَّفِقونَ على وجوبِ الأخذِ بأوائلِ الأسماءِ، ويختلِفونَ في الأخذِ بأواخرِها؛ كما في اسمِ "المَيْتةِ" هنا؛ فلأولِ ما ينزِلُ عليه الاسمُ شيءٌ، ولآخِرِه شيءٌ يدخُلُ في عمومِ الاسمِ؛ كشَعْرِ المَيْتةِ وصُوفِها؛ هل يدخُلُ في لفظِ "المَيْتةِ" في الآيةِ أوائلُ ما يُطلَقُ عليه اسمُ المَيْتةِ، أم يدخُلُ فيه آخِرُ شيءٍ يدخُلُ في معناهُ؟ وبعضُ العلماءِ يُعمِلُ دليلَ الاحتياطِ هنا ويغلِّبُهُ، والخلافُ في ذلك على عدةِ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: يجوزُ الانتفاعُ بكلِّ ما لا يَتَّصِلُ بلَحْمِها ممَّا كان يُنتزَعُ منها وهي حَيَّةٌ؛ كالصُّوفِ والشَّعَرِ؛ وهذا قولُ مالكٍ (١).
ورخَّصَ في شعر الميتةِ وصُوفِها وريشِها: ابنُ سِيرِينَ، وعمرُو بنُ دِينارٍ، وحَمَّادٌ (٢).
بل رأى عمرٌو: أنَّه لا فرقَ بينَ المَيْتةِ والحَيَّةِ لي ذلك، وقد صحَّ عنه ذلك؛ كما رواهُ عبدُ الرزَّاقِ، عن الثوريِّ، عن عمرِو بنِ دينارٍ؛ قال: "ليس لِصُوفِ المَيْتةِ ذَكَاةٌ؛ اغسِلْهُ فانتفِعْ به"، وقال الثوريُّ: "ألم ترَ أنَّا نَنزِعُهُ وهي حيةٌ؟ ! " (٣).
(١) ينظر: "المدونة" (١/ ١٨٣).
(٢) ينظر: "مصنف عبد الرزاق" (٢٠٤، ٢٠٥، ٢٠٦) (١/ ٦٦)، و"الأوسط" لابن المنذر (٢/ ٢٧٢).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٢٠٤) (١/ ١٦٦).