ومُشارَكةُ الضعفاءِ للمنافِقينَ في الوصفِ الظاهرِ - وهو التخلُّفُ عن الجهادِ - تقتضي بيانَ عُذْرِهم، وحِفْظَ فضلِهم، وهذا مِن مَقاصِدِ الآيةِ؛ فقد يَشتبِهُ بعضُ أهلِ الخيرِ ببعضِ أهلِ الشرِّ في الظاهرِ عمَلًا أو تَرْكًا، والأَوْلى بيانُ عُذْرِ أهلِ الخيرِ؛ حتى لا يتَواسى أهلُ النِّفاقِ بهم، فيَختِلِطَ عندَ الناسِ أَمْرُهم، فلا يميِّزوا أهلَ الصِّدْقِ مِن أهلِ النَّفاقِ والكَذِبِ.
وقولُه تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} رفَعَ اللهُ الحرَجَ عن الضعفاء، وهم الذين يَرغَبونَ في الوصولِ إلى الشيء، وَيعجِزونَ عن ذلك، وقيل: إنَّ هذه الآيةَ ناسخةٌ لقولِهِ تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} التوبة: ٤١؛ كما قاله السُّدَّيُّ وغيرُه (١).
والضَّعْفُ عن القدرةِ على الجهادِ على نوعَيْنِ:
النوعُ الأولُ: ضَعْفُ البدَن، وهو اللازِمُ فيه، وهو ضَعْفُ البدنِ مِن هُزَالٍ أو مَرَضٍ مِن عَرَجٍ أو عَمًى أو صَمَمٍ، وغيرِ ذلك مِن عِلَلِ الأبدانِ التي تُضعِفُ الإنسانَ عن لِقاءِ العدوِّ.
النوعُ الثاني: ضَعْفُ العُدَّة، فلا يَجِدُ سِلاحًا يُقابِل به العدوَّ، ولا مَرْكَبًا يَحمِلُه إلى مكانِ الغزوِ وَيركَبُه، فيَكُرُّ ويتحيَّزُ ويتحرَّفُ، ولا طعامًا يتَفوَّتُهُ في طريقِهِ ورِباطِه.
وهذانِ النوعانِ مِن الضَّعْفِ الذي يُعذَرُ بمِثْلِهِ صاحبُهُ في تَرْكِ الجهادِ الذي يتعيَّنُ عليه لو كان قادرًا.
قولُه تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فيه إشارةٌ إلى عفوِ اللهِ عنِ المُجتهِدِ الذي بذَلَ وُسْعَهُ في الإحسانِ ووقَعَ منه تقصيرٌ لم يُرِدْهُ، وقد استَدَلَّ بها بعضُ الفقهاءِ على سقوطِ الدِّيَةِ عمَّن استَوْفَى حقَّه في القصاصِ مِن خَصْمِهِ فيما دُونَ النفسِ - كقَطْعِ اليَدِ
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٠٣).