إلى مَسْجِدِهم يُشرِّعُ الصلاةَ فيه ولو مَرَّةً؛ لِيَتَّخِذُوا ذلك سبيلًا لجَذْبِ الناسِ إليه، وقد بيَّن اللهُ لنبيِّه وللمؤمِنِينَ الفَرْقَ بينَ المسجدَيْن، وأمَّا مسجدُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأمرُهُ بيِّنٌ في فضلِهِ والصلاةِ فيه، وليس محلَّ مُشابَهةٍ لمسجدِ الضِّرارِ عندَ المُنافِقينَ، ولا عندَ غيرِهم.
الوجهُ الثالثُ: أنَّ مسجدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يقومُ فيه النبيُّ وصحابتُهُ بصَلَواتِهم في يَوْمِهم ولَيْلَتِهم، وفيه مَجلِسُهم، والأحَقُّ بقوله: {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} التوبة: ١٠٨ المسجدُ الذي لا يقومُ فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دَوْمًا كقُبَاءٍ، وظاهرُ الحالِ: أنَّ قيامَهُ بمَسجدِهِ متحقِّقٌ دائمٌ، وقيامَهُ في قُبَاءٍ عارِضٌ، فجاء التنبيهُ عليه، وحَمْلُ الدليلِ على التأسيسِ أوْلى مِن التأكيدِ؛ لأنَّه أقرَبُ إلى مسجدِ الضِّرارِ مكانًا ومَنْزِلةً عندَ المُنافِقينَ.
الوجهُ الرابعُ: أنَّ سياقَ الآيةِ دالٌّ على أنَّ المرادَ مسجدُ قباءٍ؛ فقد ذكَرَ اللَّهُ وصفًا بعدَ ذلك: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}، والمقصودُ به: مسجدُ قباءٍ ومَن يُصلِّي فيه.
وفي قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} إشارةٌ إلى أنَّ النظافةَ مِن الإيمان، وأنَّ القَذَارةَ مِن النِّفاقِ؛ وذلك أنَّ ظاهرَهُ أنَّ المُنافِقينَ في مَسْجِدِ الضِّرَارِ ليسوا كذلك.
هَدْمُ مَسْجدِ الضِّرَارِ وصُرُوحِ الفِتْنةِ:
ولمَّا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذا قُدْرةٍ وسلطانٍ، هدَمَ مسجِدَ الضِّرار، وفي هذا دليلٌ على أنه يجبُ على الإمامِ أنْ يَهدِمَ صروحَ الشرِّ والفتنةِ ولو كان ظاهرُها خيرًا، ولا يُعذَرُ بتَرْكِها إلَّا لسببَيْنِ:
الأولُ: أن يكونَ عاجِزًا، وليس ذا قُدْرةٍ وقُوَّةٍ على ذلك.
الثاني: أن يَغلِبَ على الظنِّ حصولُ فِتْنةٍ بهَدْمِها أعظَمَ مِن فتنةِ بَقَائِها، وهذا يُحكمُ بالعِلْمِ والعدلِ لا بتوهُّمِ فتنةٍ لا حقيقةَ لها ولا