المَفْسَدةُ الأُولى: تَرْكُهُمْ للصلاةِ جماعةً وهَجْرُهم للمساجدِ؛ لعدمِ وجودِ أماكنَ لهم فيها، ولا يَجِدونَ بُدًّا مِن سُكْنى بُيوتِهم تلك.
والمَفْسَدة الثانيةُ: تعدُّدُ المساجدِ في الحيِّ والمكانِ المُتقارِبِ.
والمفسدةُ الأُولى أعظَمُ؛ لأنَّ العُذْرَ بتعدُّدِ المساجدِ ظاهرٌ، والفتنةَ في مِثْلِه في الدِّينِ أقَلُّ مِن الفتنةِ مِن وقوعِها في حيٍّ قليلِ العددِ كثيرِ المساجد، وقال صالحُ بن أحمدَ بنِ حنبلٍ لأبيه: كم يُستحَبُّ أن يكونَ بينَ المسجدَيْنِ إذا أرادُوا أن يَبْنُوا إلى جانبِهِ مسجدًا؟ قال: لا يُبنى مسجدٌ يُرادُ له الضَّرَرُ لمسجدٍ إلى جانبِهِ؛ فإنْ كَثُرَ الناسُ حتَّى يَضِيقُ عليهم، فلا بأسَ؛ يُبْنَى وإنْ قَرُبَ ذلك منه (١).
قولُه تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} أخَذَ منه بعضُ الفقهاءِ استحبابَ الصلاةِ في المسجدِ القديم عندَ تعدُّدِ المساجدِ في البلدِ أو الحيِّ؛ فقد ذكَرَ اللهُ عِلَّةَ التفضيلِ للمسجَدِ أنه أُرِيدَ به وجهُ الله، ثم أنه بُنِيَ قديمًا، وهذا يدُلُّ على فَضلِ الأقْدَمِ على الأحدَثِ؛ لأنَّ الغالبَ أنَّ أوَّلَ المساجدِ يُبنى في البلدِ لا يُرادُ منه إلَّا الصلاةُ وعبادةُ الله، بخلافِ المساحدِ اللاحِقةِ له، فقد يقعُ في نفوسِ عامِرِيها المُنافَسة والجاهُ، وربَّما قصدُ الضِّرَارِ والتفريق، فإنَّ أوَّلَ الأعمالِ أَصْدَقُها.
أوْلَى المساجِدِ بالصلاةِ عندَ كَثْرَتِها:
وإذا تعدَّدَتِ المساجدُ في البلدِ أو الحيِّ الواحد، فقد اختُلِفَ في أيِّها أَوْلى بالصلاةِ فيها:
فمِنهم: مَن قال بتفضيلِ الأقدَمِ؛ لظاهِرِ الآية، وقد قال ثابتٌ
(١) "مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح" (١/ ٢٩٤).