جائزٌ ولو لم يأذَنْ في كلِّ مرَّةٍ، وقد كانتِ النِّساءُ تَرِدُ إلى بيوتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويُدخِلُهُنَّ أزواجُهُ ويَسألُ عنهنَّ، وفي "الصحيحَيْنِ"، عن عائشةَ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟ )، قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِن صَلَاتِهَا، قَالَ: (مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَالله، لَا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا)، وَكَانَ أحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ (١).
وأمَّا الطاعةُ غيرُ الواجبةِ بالاتِّفاقِ: فقد تحرُمُ إنْ أمَرَها بمحرَّم كالوَطْءِ في الدُّبُر، وقد تُكرَهُ إنْ أمَرَها بفعلِ مكروهٍ، وإنْ أمَرَها بما يُضِرُّ بها، فليس عليها طاعتُهُ، وأمَّا إنْ أمَرَها بما لا يُضِرُّ بها ولا منفعةَ له به؛ كانْ يأمُرَها أنْ تَلبَسَ الأبيضَ أو الأصفرَ أو الأخضرَ عندَ النِّساء، فلا يجبُ عليها ذلك؛ لأنَّ الأمرَ يتعلَّقُ بها لا به، لكنَّه لوأمَرَها ألَّا تَلبَسَ لونَ كذا وكذا عندَهُ، فهذا له.
وأمَّا خِدْمةُ المرأةِ لزوجِها في بيتِهِ مِن طبخِ طعامٍ ونظافةِ ثيابٍ، فقد وقَعَ فيها خلافٌ:
وقد ذهَبَ جماعةٌ مِن الفقهاءِ: إلى وجوب ذلك؛ كما هو قولُ أهلِ الرأي، وجماعةٍ مِن المالكيَّة، وأبي بكرِ بنِ أَبي شيْبةَ، ولكنَّ الحنفيَّةَ أَوجَبُوهُ دِيانةً لا قَضاءً.
وذَهَبَ الشافعيَّةُ والحنابلةُ وجماعةٌ مِن فقهاءِ المالكيَّةِ: إلى عدمِ الوجوبِ.
والأظهَرُ في ذلك: أنه يُجرى على العُرْفِ؛ وذلك لأنَّ الخِدْمةَ تَختلِفُ صِفتُها يحسَبِ البُلْدانِ؛ فأحوالُ البَوادِي تختلِفُ عن القُرى، وأحوالُ المُدُنِ الكبيرةِ تختلفُ عن القُرى، وقد كان ذلك جاريًا عندَ العربِ وما زال، وقد قَضى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على فاطمةَ بخِدْمةِ رَوْجِها في بيتِه،
(١) أخرجه البخاري (٤٣)، ومسلم (٧٨٥).