عليها بلا عَدَدٍ، فتُصلَّى ركعتَيْنِ ومُضاعفاتِها، بخلافِ صلاةِ الاستخارةِ وصلاةِ الضُّحا، وتحيَّةِ المسجد، وركعتَي الطوافِ، فالأصلُ فيها أنَّها معدودةٌ، وإنَّما لم يُجعَلْ عددٌ لهذه الصلاةِ؛ لأنَّها تعلَّقتْ بأمرٍ، وهو شِدَّةُ الأمرِ والهمُّ منه، فتُشرَعُ الصلاةُ حتى يزولَ ذلك السببُ، كما تُشرَعُ صلاةُ الكُسُوفِ والخُسُوفِ حتى يزولَ السببُ.
وقد كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفزَعُ إلى الصلاةِ إذا حزَبَهُ أمرٌ، فكان يُصلِّي قُبَيْلَ لقاءِ العدوِّ، وعندَ اجتماع الأحزابِ، قال حُذَيْفةُ: "رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَيْلَةَ الأَحْزَابِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذَا حزَبَهُ أمرٌ صَلَّى" (١).
وقد قال عليُّ بن أبي طالبٍ: "لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي وَيَدْعُو حتَّى أَصْبَحَ" (٢).
والصلاةُ مِن أعظَمِ ما يُعِينُ العبدُ عند اشتدادِ الأمورِ، وإغلاقِ الأبوابِ، وانقطاع الأسباب، وقد قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} البقرة: ٤٥، ولمَّا اشتَدَّ الأمرُ بموسى وقومِهِ، أُمِرُوا بالصلاةِ؛ كما قال تعالى: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} يونس: ٨٧.
وهي كفايةٌ للعبدِ وعونٌ له ولو لم يَنْزِلْ به أمرٌ، فكيف إذا اشتدَّت عليه الأمورُ، وتكاثَرت عليه الهمومُ؟ ! وقد جاء في الحديثِ القدسيِّ: قال اللَّهُ: (يَا بْنَ آدَمَ، لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ، أَكْفِكَ آخِرَهُ) (٣).
(١) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٢١٢).
(٢) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٢١٣)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٨٢٥).
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٢٨٦)، وأبو داود (١٢٨٩)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٤٦٨).