وإنَّما جاءتْ في سياقِ الاعتبارِ وذِكْرِ مِنَنِ اللَّهِ ونِعَمِهِ على عباده الموجِبةِ لِشُكْرِهِ وتوحيدِه.
وكلامُ أئمَّةِ المذاهبِ الأربعةِ مُشعِرٌ بتحريمِ لبنِ الحميرِ، وفي كلام الحنفيَّةِ والشافعيَّةِ وجهانِ، والصحيحُ المنعُ، وهذا الذي صوَّبَهُ النوويُّ وابنُ الهُمَامِ.
ورُوِيَ عن بعضِ السلفِ؛ كعطاء والزُّهْريِّ وطاوسٍ: جوازُ التداوِي بلَبنِ الأَتَانِ، والأظهَرُ منعُهُ؛ فما حَرُمَ أكلُهُ وشربُهُ لا يَحِلُّ التداوِي به.
وما يحرمُ أكلُ لحمِهِ يحرُمُ أكلُ وشربُ شيءٍ منه، وذلك كبَيْضِ ما حَرُمَ مِن الطيورِ، فهو حرامٌ كذلك؛ لحُرْمةِ أصلِهِ.
* * *
* قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} النحل: ٧٥.
في هذه الآيةِ: سَلْبُ قدرةِ المملوكِ، وأنَّه لا يَملِكُ شيئًا، ولكنَّ العلماءَ يتَّفقونَ على أنَّ العبدَ يملِكُ بُضْعَ زوجتِهِ، ويتَّفِقُونَ على أنَّه لا يَملِكُ بالميراثِ، وأنَّه لا يَملِكُ إلَّا ما ملَّكَهُ سيِّدُه؛ كما حكَى الاتِّفاقَ الماورديُّ (١) مِن الشافعيَّةِ وغيرُه.
وقد اختلَفَ العلماءُ في العبدِ فيما إذا وقَعَ في يدِهِ شيءٌ مِن المالِ ملَّكَه له سيِّدُه: هل له تمامُ التصرُّفِ فيه ببيعٍ وشراءٍ أو لا؟ على قولَيْنِ، هما قولانِ عن الشافعيِّ:
قال مالكٌ: إنَّ العبدَ يَملِكُ المالَ بتمليكِ سيِّدِه؛ حتى يجوزُ له أن يَشترِيَ ويتصرَّفَ في المالِ كيف يشاءُ؛ وهذا قولُ الشافعيِّ القديمُ.
(١) "الحاوي الكبير" (٥/ ٢٦٥).