بقراءةِ القرآن، وسجودُ التلاوةِ سُنَّةٌ، وعلى هذا عملُ الخلفاءِ الراشِدِينَ والصحابة، وهو قولُ جمهورِ الفقهاءِ؛ لِما في "الصحيحَيْنِ"، مِن حديثِ زيِد بنِ ثابتٍ: "أنَّه قرَأَ على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سورةَ النَّجْمِ، فلم يَسْجُدْ فيها" (١).
وفي البخاريِّ، عن عمرَ؛ قال: "إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُود، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدُ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ"، وقال ابنُ عمرَ: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ" (٢).
وفي قولهِ تعالى: {سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا} الإسراء: ١٠٧، ١٠٨ مشروعيَّةُ التسبيحِ في السجود، ويأتي الكلامُ على التسبيح في السجودِ والركوعِ وحُكْمِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥)} السجدة: ١٥.
* * *
* قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} الإسراء: ١١٠.
سمَّى اللَّهُ قراءةَ القرآنِ صلاةً في هذه الآيةِ، كما سمَّى الصلاةَ قرآنًا في قولِهِ تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} الإسراء: ٧٨.
وهذه الآيةُ نزَلَتْ بمكَّةَ حينَما كاد النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجهَرُ بالقرآنِ فيَنفِرُ منه كفارُ قريشٍ ويُؤْذونَهُ، وربَّما خافَتَ حتى لا يَكادَ يَسمعُهُ مَن يَسْتخفِي مِن المؤمِنينَ؛ كما في "المسنَدِ" و"الصحيحَيْنِ"، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: نزَلَتْ هذه الآيةُ ورسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُخْتَفٍ بمكَّةَ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}؛ قال: كان إذا صلَّى بأصحابِه، رفَعَ صوتَهُ بالقرآن، فلمَّا سَمِعَ ذلك
(١) أخرجه البخاري (١٠٧٢)، ومسلم (٥٧٧).
(٢) أخرجه البخاري (١٠٧٧).