القَتْلَى، وأعادَ اللهُ نداءَهُ لأهلِ الإيمانِ مع تقدُّمِه قريبًا؛ لأهميَّةِ مضمونِ الخطابِ.
إقامةُ الحدودِ وفضلها:
وهذه الآيةُ مَدَنِيَّةٌ نزَلتْ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في أوائلِ ما نزَلَ في المدينةِ، وفي هذا دليلٌ على عِظَمِ مشروعيَّةِ الحكمِ بحدودِ الله، وأنَّه أولُ المبادَراتِ التي ينبَغي أنْ يُبادِرَ بها الحاكمُ لنظامِ دولتِهِ وحُكْمِه؛ لأنَّه تولَّى أَمْرَ العامَّةِ ونظامَها، ولا يَسَعُهُ إلا أنْ يحكُمَ بحكمِ اللهِ الذي ارتضاهُ في الأرضِ.
ضبطُ الشريعةِ للإنسانِ وحدُّها لأخطائهِ:
والشريعةُ جاءت بضبطِ حياةِ الفردِ وحياةِ الجماعةِ على أيِّ حالٍ؛ كما في الحديثِ الذي رواهُ أحمدُ والترمذيُّ؛ من حديثِ أبي ذرٍّ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ. . .) (١)، فالتقوَى في كلِّ موضعٍ، وحياةُ الإنسانِ في نفسِهِ تُجعَلُ خاصَّةً له، فهو رقيبٌ عليها غالَبًا؛ ولذا منَعَ اللهُ مِن التجسُّسِ عليه؛ قال تعالى {وَلَا تَجَسَّسُوا} الحجرات: ١٢.
لأنَّ بعضَ ما يفعلُهُ في خاصَّةِ نفسِه غيرُ ما يفعلُهُ عندَ الناسِ، فوُكِّلَ الإنسانُ على نفسِهِ رقيبًا، ولو نُسِبَ إليه فعلٌ محرَّمٌ في خاصَّةِ نفسِهِ بلا مجاهَرةٍ وكان يَستَتِرُ به، لا يجوزُ التجسُّسُ عليه ليُتحقَّقَ مِن ثبوتِ المحرَّمِ عليه، فاللهُ جعَلَهُ رقيبًا على نفسِه.
وقد جاء في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ النَّوَّاسِ بنِ سِمْعَانَ، مرفوعًا: (وَالْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) (٢).
لأنَّ رقابةَ الإنسانِ على نفسِهِ أعظمُ أثرًا مِن جعلِ غيرِهِ رقيبًا عليه؛
(١) أخرجه أحمد (٢١٣٥٤) (٥/ ١٥٣)، والترمذي (١٩٨٧) (٤/ ٣٥٥).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٥٣) (٤/ ١٩٨٠).