لأنَّ الحديثَ يُفيدُ نُقْصانَ الأجرِ، ونُقصانُ الأجرِ لا يَلزمُ منه ارتكابُ المحرَّمِ، ولو كان يَحمِلُ الإثمَ، لكان ذِكْرُ الإثمِ أَولى مِن ذِكْرِ نُقْصانِ الأجرِ.
والأظهَرُ التحريمُ؛ لأنَّه لا تُحبَطُ أعمالٌ بمِثْل هذا القَدْرِ الدائمِ وهو قِيرَاطٌ إلَّا عن إثمٍ، والأصلُ أنَّه لا يُحبِطُ الحَسَناتِ إلَّا السيِّئاتُ، والأُجورُ تَنقُصُ لسببَيْنِ:
الأولُ: تنقُصُ بسببٍ في العملِ الصالحِ أو لازمٍ لها؛ كعَدَمِ الخشوعِ في الصلاةِ؛ فإنَّه يَنقُصُ الأجرَ؛ فلا يُقبَلُ منها إلَّا رُبُعُها أو ثُلُثُها؛ كما لي حديثِ عمَّارٍ (١)، وكذلك المَنُّ الذي يَتَبَعُ الصَّدَقةَ؛ فقد قال تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} البقرة: ٢٦٤، فهذا يُحبِطُ أجرَها، ولا يَلزَمُ إلحاقُ وِزْرٍ بصاحِبِها.
الثاني: تَنقُصُ الأجورُ بسببٍ خارجٍ عن العملِ وغيرِ لازِمٍ له، كإحباطِ الجهادِ بالرِّبا، وإحباطِ أجورِ بعضِ الأعمالِ باقتناءِ الكلبِ كما هنا، فإذا انفَكَّ السببُّ الناقصُ لأجرِ العملِ عن العمل، ولم يكنْ لازمًا له، فهذه أمَارةٌ على كونِهِ محرَّمًا.
وأمَّا القولُ بأنَّ ذِكْرَ الإثمِ أَولى مِن ذِكْرِ نُقصانِ الأجر، فهذا ليس بلازِمٍ؛ فلا أعظَمَ مِن الشِّرْكِ وقد ذكَرَ اللَّه إحباطَهُ للعملِ.
وإذا كان اللَّهُ يُحبِطُ السيِّئاتِ بالحسناتِ، فرحمتُهُ سبَقَتْ غضَبَهُ، فلا يُحبِطُ الحسناتِ بالسيِّئاتِ إلَّا بما هو أعظَمُ مِن إحباطِ الحسنةِ للسيِّئةِ.
والقِيراطُ غبرُ محدودِ القَدْرِ، ولا ينبغي حملُهُ على قِيراطِ شهودِ الجنازةِ واتِّباعِها وأنَّه كجَبَلِ أُحُدٍ؛ فرحمةُ اللَّهِ أعظَمُ مِن ذلك، وإنَّما المرادُ قَدْرٌ مقدَّرٌ ونصيبٌ محدَّدٌ يُؤخَذُ منه كلَّ يومٍ.
(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٢١)، وأبو داود (٧٩٦)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٦١٥).