وَصَلَّوْا خَلْفَهُ" (١).
وقد صلَّى على القبرِ جماعةٌ مِن السلفِ صحابةً وتابِعِينَ؛ كعليٍّ وأنسٍ وسَلْمانَ بنِ رَبِيعةَ وأبي حَمْزةَ ومَعْمَرٍ.
ولم تكنْ تلك الصلاةُ واجِبةً على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتَّى يؤدِّيَها، وهناك مَن يفرِّقُ بينَ الصلاةِ في المَقْبرةِ على الميِّتِ المدفونِ فيُجِيزونَها، وعلى الميِّتِ البارِزِ قبلَ الدَّفْنِ، ولا شَكَّ أنَّ المدفونَ أخَفُّ، والتفريقُ لا يُخرِجُ الأُخرى مِن الجوازِ؛ للاشتراكِ في الصورةِ الظاهرةِ التي نُهِيَ لأجلِها عن اتِّخاذِ القبورِ مساجدَ.
وقد روى عبدُ الرزَّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ؛ قال: "قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَسَطَ الْقُبُورِ؟ قَالَ: لَقَدْ صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَسَطَ الْبَقِيعِ، قَالَ: وَالْإِمَامُ يَوْمَ صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنهما- أَبُو هُرَيْرَةَ، وَحَضَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ" (٢).
ولا خلافَ عندَ أحمدَ أنَّ صلاةَ الجنازةِ أخَفُّ، وأنَّها لو صُلِّيَتْ لا تبطُلُ، وإنَّما الخلافُ عندَه في الكراهةِ، ولو بطَلَتْ، لَبطَلَتْ صلاةُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على القبرِ.
وأمَّا حديثُ أنسٍ عندَ الطبرانيِّ، ففي صحَّتِه نظرٌ، والصوابُ فيه: أنَّه مِن مُرسَلِ الحسَنِ؛ رجَّحَهُ الدارقطنيُّ (٣)، وهو محمولٌ إنْ صحَّ على كراهةِ اتِّخاذِ مواضعَ للصلاةِ على الجنائزِ وَسَطَ القبورِ، وقد رَوَى ابنُ أبي شيبةَ، عن أنسٍ: "أنَّه كان يَكرَهُ أن يُبنى مسجدٌ بينَ القبورِ" (٤).
(١) أخرجه البخارى (١٣٣٦)، ومسلم (٩٥٤).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١٥٩٣).
(٣) "علل الدارقطني" (١٢/ ٧٢).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٧٥٨٠).