وقد اتَّفَقَ الأئمَّهُ الأربعةُ على أنَّه يُقامُ للصلاةِ الفائتة، ولكنَّهم اختلَفُوا في الأذانِ لها على قولَيْنِ:
ذَهب مالكٌ والشافعيُّ وغيرُهما: إلى أنَّه لا يُؤذَّنُ لها؛ لأنَّ الإقامةَ إشعارٌ لقُرْب الدخولِ في الصلاةِ، بخلافِ الأذانِ؛ لأنَّ إعلامٌ بدخولِ الوقت.
وذهب أحمدُ وأبو حنيفةَ: إلى أنَّه يُؤذَّنُ لها كما يُقامُ.
وذهَبَ سُفْيانُ: الى أنَّه لا يُؤذَّنُ لها ولا يُقامُ.
وإنَّما اختَلَفَ الفقهاءُ في ذلك؛ لاختلافِ الرِّواياتِ في قضاءِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِمَا فاتَ منه في الخَنْدَقِ وفي قصةِ التَّعْرِيسِ لصلاةِ الفجرِ؛ ففي بعضِها يذكُرُ الأذانَ وفي بعضِها لا يذكُرُهُ، والثابتُ في "الصحيحِ": أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ بلالًا أن يُؤذِّن في الناسِ، وذلك عندَما نام النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابةُ عن صلاةِ الفجرِ حتى طلَعَ حاجبُ الشمسِ، وفيه قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لبلالٍ: (يا بلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ)، فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ، قَامَ فَصَلَّى (١).
وحمَلَ بعضُهم ذلك على دعوةِ الناسِ إلى الصلاةِ وجَمْعِهم لا النداءِ المعروفِ.
وهذا الحملُ فيه نظر، وعدمُ ذِكْرِهِ في بعضِ الرِّواياتِ لا يعني عدمَ فِعْلِه؛ فإنَّ عدمَ الذِّكْرِ لا يدُلُّ على العدمِ، وقد جاء صريحًا في حديثِ أبي قتادةَ؛ قال: (إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ، قُم فَأَذِّنْ بالنَّاسِ بالصَّلَاةِ)، فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ، قَامَ فَصَلَّى (٢).
(١) أخرجه البخاري (٥٩٥).
(٢) سبق تخريجه.