السائِرِينَ على أرجُلِهم ماشِينَ، والمرادُ بقوله: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}؛ يعني: راكِبِينَ، والضامِرُ: المهزولُ الخفيفُ، وهي الخيلُ, وقد أخَذ بعضُهم مِن تقديمِ اللَّهِ للراجِلِينَ على الراكِبِينَ فضلَ المشي على الركوبِ في المَناسِكِ، وقد اختلَفَ العلماءُ في هذه المسألةِ:
فمِنهم: مَن فضَّل المشيَ؛ لتقديمِ الآيةِ، ولكونِه أكثَرَ نَصَبًا؛ فقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لعائشةَ لمَّا أَهَلَّتْ مِن التَّنْعِيمِ: (وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ) (١)، وهذا قولٌ للشافعيِّ وإسحاقَ.
ومنهم: مَن فضَّل الركوبَ؛ وهذا قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ.
والأظهَرُ: أنَّ الفضلَ يعودُ إلى العملِ؛ فمَن كان أداؤُهُ للعبادةِ والنُّسُكِ أفضلَ حالَ ركوبِه، فيَركَبُ، ومَن كان أداؤُه لها أفضَلَ حالَ مشيِه، فالمشيُ أفضَلُ؛ وذلك أنَّ مِن الناسِ في دَفْعِهِ مِن عَرَفةَ مَن يزدحِمُ الناسُ عليه ويَخشى التأخُّرَ في وصولِهِ إلى عَرَفةَ إنْ لم يَركبْ، فرُكوبُهُ أفضَلُ مِن مشي يتأخَّرُ به، ومِثلُهُ لو كانتِ المراكبُ مزدحِمةً ويتأخَّرُ لو رَكِبَ، فالأفضَلُ له أن يمشيَ ليَصِلَ على الوقتِ المشروعِ.
ومِثلُ ذلك التعَبُ والنَّصَبُ؛ فمَن رأى أنَّه إنْ مَشَى، ضَعُفَ في العبادةِ ولم يُؤدِّها كما جاءتْ بها السُّنَّةُ، فركوبُهُ أفضَلُ، والناسُ يَختلِفونَ في ذلك.
وقد سار النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن ذي الحُلَيْفَةِ مُحرِمًا على راحلتِهِ، وعليها أهَلَّ وكبَّر وحَمِدَ وسبَّح (٢).
وقد تقدَّمَ في سورةِ البقرةِ الكلامُ على المَنَاسِكِ، في آياتِ الحجِّ، وفي سورةِ آلِ عِمرانَ الكلامُ على الاستطاعةِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ٩٧.
* * *
(١) أخرجه البخاري (١٧٨٧)، ومسلم (١٢١١) (١٢٦).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٥١).