وذهَبَ جماعةٌ: إلى أنَّه يُقسَّمُ ثلاثةَ أقسامٍ؛ أخذًا مِن قولِهِ تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الحج: ٣٦؛ وبه قال ابنُ مسعودٍ وابنُ عمرَ، وإليه ذهَب أحمدُ والشافعيُّ.
والتقسيمُ ثلاثًا أصَحُّ، ولم يصحَّ عن أحدٍ مِن الصحابةِ تقسيمُ الهَدْيِ إلى نِصْفَيْنِ.
وقد روى نافعٌ، عن ابنِ عمرَ؛ قال: "الضَّحَايَا والهدايَا ثُلُثٌ لِأَهْلِك، وثُلُثٌ لك، وثُلُثٌ للمساكينِ"؛ رواهُ ابنُ حزمٍ (١).
وروى ابنُ أبي شَيْبةَ والطبراني، عن علقمة، عن ابنِ مسعودٍ -رضي اللَّه عنه-: "كَانَ يَبْعَثْ بِالْبُدْنِ مَعَ عَلْقَمَةَ، وَلَا يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ المُحْرِمُ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ إِذَا بَلَغتْ مَحِلَّهَا أنْ يَتَصَدَّقَ ثُلُثًا، وَيَأْكُلَ ثُلُثًا، وَيَبْعَثَ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ عَنْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ثُلُثًا" (٢).
وهي صحيحةٌ، ويُروى في ذلك مِن حديثِ ابن عبَّاسٍ في صفةِ أُضْحِيَّةِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: (ويُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بالثُّلُثِ) (٣).
ويُروى عندَ مُسدَّدٍ في "مسندِه"؛ مِن حديثِ إبراهيمَ مؤذِّنِ أهلِ المدينةِ، عن أبيهِ؛ قال: "شهِدتُّ أبا هُرَيرةَ -رضي اللَّه عنه- بالمصلَّى قال لرجُلَيْنِ: ما عندَكما ما تُضحيِّانِ به؟ قالا: لا، فانطلَقَ بهما الى منزلِهِ وأخرَجَ شاتَهُ، قال تقبَّلَ اللَّهُ مِن أبي هُرَيْرةَ ومِن فلانٍ وفلانٍ، ثمَّ أخَذ كَبِدَها أو شيئًا منها، فأكَلُوا منها، ثمَّ حزَّأَها ثلاثةَ أجزاءٍ، فانقلَبَ الرجُلانِ بثلُثَيْها،
(١) أخرجه ابن حزم في "المحلَّى" (٧/ ٢٧١).
(٢) أخرجه سعيد بن أبي عروبة في "المناسك" (٤٥).
(٣) أورده ابن قدامة فى "المغني" (١٣/ ٣٨٠)، وقال: "رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في "الوظائف"، وقال: حديث حسن".