المحظورِ مِن محظوراتِ الحجِّ: ذلك مِن تعظيمِ حُرُماتِهِ وشعائرِه.
وبَيَّنَ اللَّهُ في قولِه: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أنَّه سبحانَهُ جعَلَ الأصلَ في البهائمِ الحِلَّ، وجعَلَ المُستثنَى قليبلًا مَتْلُوًّا، وأضمَرَ الحلالَ لكثرتِه، وسمَّى الحرامَ لقِلَّتِه.
وقولُه تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، في هذه الآيةِ: بيانُ أنَّ المَقصَدَ الأعظَمَ مِن الحجِّ هو إقامةُ توحيدِ اللَّهِ ونبذُ الشِّرْكِ؛ حيثُ ذكَرَ اللَّهُ اجتنابَ الأوثانِ وأمَر بالحنيفيَّةِ مِلَّةِ إبراهبمَ بأحكامِ المناسكِ؛ ليُشعِرَ أنَّها المرادةُ، وقد كان الجاهليُّونَ لا يُقِيمُونَ شعيرةً مِن المناسكِ إلَّا خلَطُوها بشِرْكٍ وكفرٍ.
وفي الآيةِ: تعظيمُ شهادةِ الزُّورِ وقَرْنُها بالشِّرْكِ، وهو الافتراءُ بقولِ الباطلِ مع زَعْمِ رؤيتِه، وهو مِن المُوبِقاتِ، وأعظَمُ أنواعِهِ ما كان فيه شركٌ وتبديلٌ لدِينِ اللَّهِ، ثمَّ ما كان فيه أَكلٌ لأموالِ الناسِ بالباطلِ، ويأتي كلامٌ يسيرٌ عليه عندَ قولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (٧٢)} الفرقان: ٧٢.
قولُهُ تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}: المرادُ بشعائرِ اللَّه هنا كلُّ المناسكِ، وأَخَصُّها بالذَّكرِ: الهَدْيُ؛ وذلك لأنَّه قال بعدَ ذلك: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ وعطاءٌ والضحَّاكُ (١)، وتعظيمُ شعيرةِ الهَديِ باختيارِ الطيِّبِ السَّمِينِ.
وقد كان رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتحرَّى الطَّيِّبَ فيُضحَّي به؛ كما جاء عن أنسٍ: "أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ضحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ" (٢).
(١) "تفسير الطبري" (١٦/ ٥٤٠ و ٥٤٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٤٩٢).
(٢) أخرجه البخاري (٥٥٦٥)، ومسلم (١٩٦٦).