وقولُه تعالى: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}؛ يعني: الأجرَ في الآخِرةِ، والنفعَ في الدُّنيا مِن اللبنِ والركوبِ.
وقولُه تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} فيه مشروعيَّةُ نحرِ الإبلِ قائمةً معقولةً، وفي "الصحيحَيْنِ"، عن ابنِ عمرَ: "أنَّه أَتَى عَلَى رَجُلِ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْها قِيامًا مُقَيَّدَةً؛ سُنُّةَ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-" (١).
وبهذا كان يعملُ الصحابةُ كما عندَ أبي داودَ؛ مِن حديثِ جابرٍ (٢)، وقد قال ابنُ عبَّاسٍ: "إذا أَردتَّ أن تنحَرَ البدَنةَ، فأَقِمْها على ثلاثِ قوائمَ معقولةً، ثمَّ قلْ: باسمِ اللَّه واللَّهُ أكبرُ، اللَّهُمَّ منك ولك" (٣).
وقولُه تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} وجَبَتْ جُنُوبُها؛ يعني: سقَطَتْ، ثمَّ أمَرَ بالأكلِ منها، والفاءُ هنا للتعقيبِ، مع أنَّها لا تُؤكَلُ نِيئَةً؛ ولكنْ للإشعار بالإسراع بذلك، كما فعَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهَدْيِهِ فنحَرَ ثلاثًا وستينَ ببدِه، ثمَّ جُزِرَت وقُطِّعَتْ وطُبِخَتْ، وأكَلَ مِن جميعِها، وهو ما زال في ضُحَا يوم النحرِ.
وفيه: مشروعيَّةُ الإطعامِ مِن الهَدْي، والتماسُ الفقيرِ، وهو المُعتَرُّ، والتماسُ المتعفِّفِ الذي يُظهِرُ القناعةَ وهو محتاجٌ، وهو القانعُ، وفي هذه الآيةِ تأكيدٌ على تتبُّعِ أحوالِ الناسِ في مِثْلِ هذا اليومِ، ومِثلِ هذا المكانِ، والتماسِ المحتاجِ منهم.
وقد اختلَفَ العلماءُ في صفةِ تقسيم الهَدْيِ، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك عندَ قولِهِ تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} الحج: ٢٨؛ مِن هذه السورةِ.
* * *
(١) أخرجه البخاري (١٧١٣)، ومسلم (١٣٢٠).
(٢) أخرجه أبو داود (١٧٦٧).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٤٩٤).