حالُ مَن أصابَ حدًّا واشتهَرَ صلاحُهُ؛ فلا حرَجَ مِن درءِ الحدِّ عنه.
القولُ الثاني: وجوبُ إقامةِ الحدودِ في كلِّ حالٍ؛ وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، والليثِ، وأبي ثورٍ (١).
قال الشافعيُّ: "فإنْ لَحِقَ بالمشرِكِينَ مَن أُقِيمَ عليه الحدُّ، فهو أشقَى له، ومَن ترَكَ الحدَّ خوفَ أنْ يَلْحَقَ المحدودُ ببلادِ المشركينَ، ترَكَهُ في سواحلِ المسلِمينَ ومَسَالِحِهم التي تتَّصلُ ببلادِ الحربِ" (٢).
وقال الليثُ بنُ سعدٍ: "ما رأيتُ أحدًا ولا سَمِعْتُ أنَّه يَرُدُّ حدًّا أنْ يُقِيمَهُ في أرضِ العدوِّ قديمًا ولا حديثًا إذا وجَبَ على صاحِبِه" (٣).
وقال أيضًا في الأُسَارَى: "يَجعَلُونَ عليهم رجلًا منهم يُقِيمُ الحدودَ فيهم إذا خُلِّيَ بينَهم وبينَ ذلك" (٤).
وفي نفيِ الليثِ نظرٌ، وقد عُلِمَ صِحَّتُهُ عن حُذَيْفةَ، وأبي مسعودٍ، ورُوِيَ عن عمرَ مِن طُرُقٍ متعدِّدةٍ يشُدُّ بعضُها بعضًا (٥).
وأمَّا ما رواهُ أبو داودَ في "المراسيلِ"، عن مكحولٍ، عن عبادةَ بنِ الصامتِ؛ أنَّ نبيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (أَقِيمُوا الحُدُودَ في السَّفَرِ وَالحَضَرِ، عَلَى القَرِيبِ وَالبَعِيدِ، وَلَا تُبَالُوا في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ) (٦) -: فمكحولٌ لم يسمعْ مِن عُبادةَ (٧).
وروى البيهقيُّ في "سُنَنِه"، وابنُ عساكرَ في "تاريخِ دمشقَ"؛ من
(١) ينظر: "المدونة" (٤/ ٥٤٦)، و"الأم" للشافعي (٧/ ٣٧٤).
(٢) ينظر: "الأم" للشافعي (٧/ ٣٧٥) و"المجموع" (١٩/ ٣٣٩).
(٣) ينظر "الأوسط" لابن المنذر (١١/ ٢٧٨).
(٤) المصدر السابق.
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) أخرجه أبو داود في "المراسيل" (٢٤١) (١/ ٢٠٣).
(٧) ينظر: "تحفة التحصيل" (١/ ٣١٤).