* قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣)} النور: ٣٣.
أمَر اللَّهُ مَن لم يَجِدْ قدرةً على النكاحِ؛ كمَنْ لا يَجِدُ مهرًا يُنفقُهُ، ولا دارًا تُؤوِيهِ: أن يَسْتَعِفَّ بسَعْيِهِ في طلبِ الرِّزقِ بالكسبِ حتى يُغنيَهُ اللَّهُ مِن فضلِه، وفي هذا أمرٌ بالأخذِ بالأسبابِ حتى لا يتواكَلَ الناسُ.
وقد أمَرَ اللَّهُ مَن لم يجدْ مالًا يتزوَّجُ به أن يتكسَّبَ، ولم يأمُرْهُ بالترهُّبِ والتخلِّي للعبادةِ والانقطاعِ لها؛ لأنَّ النكاحَ سُنَّةُ الإنسانِ وفطْرةُ الحيوانِ.
وقولُه تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}: فيه مشروعيَّةُ مُكاتَبةِ المَوَالي إنْ أرادُوها وفيهم قدرةٌ على الوفاءِ، فمَنْ رَغِبَ مِن العبيدِ في المُكاتَبةِ لإعتاقِ نفسِه، فيُكاتَبُ إنْ ظهَرَتْ قُدرَتُهُ على الوفاءِ وحُسْنُ قصدِه.
والجمهورُ على أنَّ المكاتَبةَ للاستحبابِ لا للوجوبِ، وهو الأظهَرُ، ومنهم مَن جعَلَ المكاتبةَ واجبةً، وهذا رُوِيَ عن عطاءٍ وأبي حنيفةَ؛ وبه يقولُ أهلُ الظاهرِ.
والذي عليه الجمهورُ: أنَّ الخيرَ في الآيةِ هو المالُ، وصحَّ هذا عن عطاءٍ (١) ومجاهدٍ.
قال مجاهدٌ: "إنْ علِمتُم لهم مالًا، كائنةً أخلاقُهُمْ وأديانُهُمْ ما كانتْ" (٢).
(١) "تفسير الطبري" (١٧/ ٢٨٢).
(٢) "تفسير الطبري" (١٧/ ٢٨١).