وصحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ عمومُ البيوتِ (١).
ويُستحَبُّ ذلك حتى في دخولِ الرجُلِ بيتَهُ، فيُسلِّمُ على مَنْ فيه مِن زوجِهِ وولدِهِ وخادمِهِ وعبدِهِ وأَمَتِه، بل لو لم يكن فيه أحدٌ؛ لوجودِ الملائكةِ، وفيه إيناسٌ وإذهابٌ للوَحْشةِ حتى في باذلِ السلامِ، والبيوتُ مُنَكَّرةٌ في الآيةِ: {بُيُوتًا}؛ لتشملَ كلَّ مَسْكَنٍ.
وقولُه تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ}؛ كقولِهِ تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} النساء: ٢٩؛ فالمرادُ المُسْلِمونَ، فهو دليلٌ على أنَّ السلامَ خاصٌّ بالمؤمِنينَ على ما تقدَّمَ بيانُهُ؛ وذلك أنَّ الكافرَ ليس مِن أنفُسِهم، ولكنْ لهم أنْ يُحَيُّوهُ بغيرِ تحيَّةِ الإسلامِ؛ لأنَّ تحيَّةَ الإسلامِ السلامُ، وهي مِن عندِ اللَّهِ مباركةٌ طيِّبةٌ، وتلك لا تكونُ لكافرٍ.
وقد تقدَّمَ الكلامُ على أحكامِ التحيَّةِ وحُكْمِها عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} النساء: ٨٦.
* * *
* قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} النور: ٦٢.
فيه: تعظيمُ أمرِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وطاعتِه، وبمقدارِ الإيمانِ به يكونُ الامتثالُ له، وهذه الآيةُ وإن كان نزولُها خاصًّا، فهي عامَّةٌ في كلِّ أمرٍ.
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٦٥٠).