مصيبةٍ ونازلةٍ أفقَدَتْهُ حضورَ ذهنِه، ونقَلَ ابنُ رشدِ المالكيُّ الإجماعَ على أنَّ مَن نَسِيَ القرآنَ لاشتغالِه بعلمٍ واجبٍ أو مندوبٍ، فهو غيرُ مأثومٍ (١).
وقد اختلَفَ العلماءُ في نسيانِ القرآنِ تهاونًا وكسلًا: هل يأثمُ به صاحبُه؟ على قولَيْنِ:
القولُ الأولُ: قال قومٌ يأثمِ ناسِيهِ؛ إلى هذا ذَهَبَ جماعةٌ مِن أصحابِنا، وبه قال ابنُ تيميَّةَ، وهو مذهب الشافعيَّةِ، ومنهم مَن جعَل ذلك كبيرةً كالرافعيِّ، ومِثْلُه ابنُ حجرِ الهيتميُّ في "الزَّوَاجرِ" (٢)، ونقَل العلائيُّ عن النوويِّ ذلك، ولعلَّه أراد سكوتَه عن كلامِ الرافعيِّ، فجعَلَهُ إقرارًا، والنوويُّ أعَلَّ الحديثَ الذي استُدِلَّ به على كونِه كبيرةً، ولم يجعل بعضُ الشافعيَّةِ هذا قولًا للنَّوويِّ كالبُلقَينِيِّ والزَّرْكَشيِّ (٣)،
واحتَجَّ مَن جعَلَهُ كبيرةً بما رواهُ أبو داودَ والترمذي، عن أنسٍ مرفوعًا: (عُرضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورةٍ مِنَ القُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا) (٤).
ورَوَى أيضًا عن سعدِ بنِ عُبَادةَ مرفوعًا: (مَا مِنِ امرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنسَاهُ، إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ أَجْذَمَ) (٥).
وحديثُ أنسٍ مُنْكَرٌ؛ أنكَرَه ابنُ المَدِينيِّ والبخاريُّ (٦)، وحديثُ سعدٍ ضعيفٌ؛ لانقطاعِه، وفيه يزيدُ بن أبي زيادٍ، وفيه كلامٌ معروفٌ، وقد
(١) "مسائل ابن رشد" (ص ٦٩١).
(٢) "الزواجر، عن اقتراف الكبائر" (١/ ١٩٩).
(٣) ينظر: "الزواجر, عن اقتراف الكبائر" (١/ ٢٠٠ - ٢٠١).
(٤) أخرجه أبو داود (٤٦١)، والترمذي (٢٩١٦).
(٥) أخرجه أبو داود (١٤٧٤).
(٦) سنن الترمذي (٢٩١٦).