القولُ الأولُ: الاستحبابُ؛ وهو قولُ أكثرِ العلماءِ؛ بل عَامَّتِهم، وهو قولُ الحسنِ، وقتادةَ، والنَّخَعيِّ، والشَّعْبيِّ، ومالكٍ، وأبي حنيفةَ، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وجابرِ بنِ زيدٍ (١).
وهذا هو الأرجحُ؛ لأنَّ الآيةَ منسوخةٌ، وحكى بعضُ العلماءِ عدمَ معرفةِ الخلافِ في نَسْخِها، وإنَّما اختُلِفَ في مقدارِ ما نُسِخَ منها؛ منهم مَنْ قال: كلُّها، ومنهم مَن قال: بعضُها.
وقد كان الحُكْمُ في الآيةِ في ابتداءِ الأمرِ لمَّا كان المشرِكُونَ على ظلمٍ في الوصيةِ، وعدمِ عدلٍ مع القَرَابةِ، وعدمِ الوفاءِ بالحقِّ؛ وكان هذا قَبْلَ المِيرَاثِ، وبَقِيَ هذا المعنى عندَ مَن أسلَمَ منهم.
ودليلُ هذا: ما رواهُ البخاريُّ في "صحيحِه"، عن حابرِ بنِ عبدِ اللهِ؛ قال: عادَني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكرٍ في بَنِي سَلِمةَ ماشِيَيْنِ، فوجَدَني النبيُّ لا أَعْقِلُ، فدَعَا بماءٍ، فتوضَّأَ منه، ثمَّ رَشَّ عَلَيَّ، فأَفَقْتُ، فقلتُ: ما تأمُرُني أنْ أصنَعَ في مالي يا رسولَ اللهِ؟ فنزَلتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} النساء: ١١ (٢).
ولا خلافَ أنَّ آيةَ المواريثِ نزَلتْ بعدَ آيةِ الوصيَّةِ.
ونصَّ على نسخِ آيةِ الوصيَّةِ مِن السلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وابنُ عمرَ، وأبو موسى الأشعريُّ، وابنُ المسيَّبِ، ومسروقٌ، وزيدُ بنُ أسلَمَ، وشُرَيْحٌ، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وابنُ سِيرِينَ، ومسلمُ بنُ يسارٍ، والعلاءُ بنُ زيادٍ، والزُّهْريُّ، وقتادةُ، وغيرُهم؛ أخرَجَهُ عنهم وعن بعضِهم ابنُ أبي حاتمٍ، وابنُ جريرٍ، وابنُ المنذرِ في "التفسيرِ".
(١) ينظر: "البحر الرائق" (٨/ ٤٥٩)، و"التمهيد" (١٤/ ٢٩٢)، و"المجموع" (١٥/ ٤٠١)، و"المغني" (٦/ ١٣٧).
(٢) أخرجه البخاري (٤٥٧٧) (٦/ ٤٣).