يَظْهَرُوا، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: (أَلَا جَعَلْتَهَا إِلَى دُونِ -قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: الْعَشْرِ؟ -) -قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْبِضْعُ: مَا دُونَ الْعَشرِ- ثُمَّ ظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} " (١).
وجاء نحوُه عن ابنِ مسعودٍ (٢)، والبَرَاءِ (٣)، ونِيَارِ بنِ مُكْرَمٍ (٤)، وغيرِهم.
فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:
وفي هذا: جوازُ فرحِ المُسلِمينَ بهزيمةِ عدوٍّ على عدوٍّ آخَرَ أشَدَّ منه، وليس هذا حبًّا لنُصْرةِ الكافرِ؛ بل لأنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ الشرَّ الأعظَمَ بيدِ عدِّوه، فيَبقى أخَفُّ العدوَّيْنِ ضررًا فينفرِدُ بصدِّهِ المُسلِمونَ، وهذا مِن سُنَّةِ اللَّهِ في الدفعِ التي يُجْرِيها لحِكَمٍ بغيرِ إرادةِ المؤمنِين.
وفَرَحُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابِهِ في ذلك: دليلٌ على استحبابِ الفَرَحِ في مِثْلِ هذا، وقد كان سببُ فرحِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابِهِ في هزيمةِ فارسَ وغَلَبةِ الرومِ سببَيْنِ:
الأولُ: أنَّ كفارَ قريشٍ أشدَّ عَدُوٍّ قريبٍ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: يُحِبُّونَ الفُرْسَ أكثَرَ مِن الرومِ؛ لأنَّهم مِثْلُهم ليسوا بأهلِ كتابٍ، وهزيمةُ فارسَ كسرٌ لنفسِ قريشٍ وهزيمةٌ لعزائمِهم؛ فأحَبَّ النبيُّ ذلك.
الثاني: أنَّ فارسَ أشَدُّ عداوةً مِن الرومِ، وكِلاهما عدوٌّ للمُسلِمينَ؛
(١) أخرجه أحمد (١/ ٢٧٦)، والترمذي (٣١٩٣)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١١٣٢٥).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٨/ ٤٥٥).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٩/ ٣٠٨٦).
(٤) أخرجه الترمذي (٣١٩٤).