ولمالكٍ في دخولِ المحلِّلِ قولٌ بجوازِه يُوافِقُ فيه قولَ ابنِ المسيَّبِ إلَّا أنَّه خلافُ المشهورِ عنه.
وعلَّلَ بعضُ المالكيَّةِ عدمَ جوازِ دخولِ المحلِّلِ بأنَّ الشرعَ منَعَ في بابِ المعاوضةِ مِن اجتماعِ العِوَضَيْنِ لشخصٍ واحدٍ لم يَبذُلْ، ويُحرَمُ منه الباقونَ الباذِلُون، وذلك في مُعاوَضاتِ البيعِ والإجارةِ والشُّفْعةِ؛ ففي البيعِ يكونُ الثمنُ والمثمَّنُ -وهو السلعةُ- مقسَّمَيْنِ بينَ البائعِ والمشترِي الذي انتقَلَ إليه المثمَّنُ، وهو المَبِيعُ.
وحديثُ أبي هريرةَ السابقُ في المحلِّلِ لا يثبُتُ رفعُهُ؛ فقد رفَعَهُ سفيانُ بنُ حُسَيْنٍ، عن الزُّهْريِّ، عن سعيدٍ، عن أبي هريرةَ مرفوعًا، وسفيانُ يَهِمُ في حديثِ الزُّهْريِّ؛ كما أشار إلى هذا أحمدُ (١)، وابنُ مَعِينٍ (٢)، والنَّسائيُّ (٣).
وأصحابُ الزُّهْريِّ الكِبارُ لا يَرفَعُونَهُ بل يَقْطَعونَه؛ كمَعْمَرِ بنِ راشدٍ، وعُقَيْلِ بنِ خالدٍ، وشُعَيْبِ بنِ أبي حَمْزةَ، واللَّيتِ بنِ سعدٍ، وغيرِهم (٤)، ثمَّ إنَّ تراكيبَ الحديثِ لا تُشبِهُ كلامَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا الغالبَ مِن كلامِ الصحابةِ؛ وإنَّما تُشبِهُ فُتْيَا التابعِين.
وقد رجَّح الحُفَّاظُ القطعَ كأبي حاتمٍ؛ قال أبو حاتم في المرفوعِ: "هذا خطأٌ، لم يَعْمَلْ سفيانُ بنُ حُسَيْنٍ شيئًا، لا يُشبِهُ أنْ يكونَ عن النبيِّ، وأحسنُ أحوالِهِ أن يكونَ عن سعيدِ بنِ المسيَّب مِن قولِه" (٥).
ونسَبَ بعضُهم إلى الدارقطنيِّ أنَّ الرفعَ محفوظٌ، وفيه نظرٌ؛ فإنَّه لم يُرِدْ ذلك في "عِلَلِه"؛ وإنَّما أرادَ أنَّ روايةَ سعيدِ بنِ بَشِيرٍ عن قتادةَ عن
(١) "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد، رواية المروذي وغيره (٢٨).
(٢) "تاريخ ابن معين"، رواية الدارمي (ص ٤٤).
(٣) "السنن الكبرى" للنسائي (٣٢٨٠).
(٤) ينظر: "الفروسية" لابن القيم (ص ٢٢٩ - ٢٣٨).
(٥) "علل الحديث" لابن أبي حاتم (٥/ ٦٧٥).