وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} البقرة: ٢١٥.
إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:
وقوله تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}؛ فسَّرَهُ جماعةٌ بمَن يُعطي الهديَّةَ والعطيَّةَ أو الصدقةَ، ويُريدُ مقابلًا عليها؛ فهذه لا يتقبَّلُها اللَّهُ مِن صاحِبِها؛ لأنَّه لم يُرِدْ بها وجهَ اللَّهِ؛ وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ومجاهدٍ، وطاوسٍ (١).
وقد رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ في قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}؛ قال: "هو ما يُعطِي الناسُ بينَهم بعضُهم بعضًا؛ يُعطِي الرجلُ الرجلَ العطيةَ يُريدُ أنْ يُعطَى أكثَرَ منها" (٢).
وصحَّ عن طاوُسٍ، قال: "هو الرجلُ يُعطِي العطيَّةَ، ويُهدِي الهديَّةَ؛ ليُثابَ أفضَلَ مِن ذلك، ليس فيه أجرٌ ولا وِزْرٌ" (٣).
وهذا لا يتعارضُ مع كونِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْبَلُ الهديَّةَ ويُثِيبُ عليها، كما ثبَت في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ عائشةَ (٤)؛ فهذا فعلُ المُهْدَى إليه، وليس فِعلَ المُهْدِي، والمُهْدِي ينبغي له أن يُهْدِيَ الهديَّةَ والعطيَّةَ والصدقةَ ولا ينتظرُ ثوابَها؛ ليتحقَّقَ له الأجرُ، وأمَّا المُهْدَى إليه، فيُستحَبُّ له أن يُثيبَ على الهديَّةِ؛ ردًّا للمعروفِ وإكرامًا للمُهْدِي ولو لم يَنتظِرْها، وهذا يَرِدُ مِثلُه في الشريعةِ؛ فنظيرُ ذلك: أنَّه يجوزُ للرجلِ أو قد يُستحَبُّ أن
(١) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٠٣ - ٥٠٤).
(٢) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٠٣).
(٣) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٠٤).
(٤) أخرجه البخاري (٢٥٨٥).